أطفالنا ..افتحوا لهم لهم قاعة الحب
سلوى عباس
أسئلة كثيرة تخطر في ذهن المتابع للحركة الثقافية ونشاطاتها، وأسباب تراجعها، والهوة القائمة بين الثقافة والجمهور؟ فقد يخطر بالبال أن السبب يكمن في القائمين على إدارة النشاطات الثقافية الكفؤ وعدم اختيارهم للباحثين لمعالجة الموضوعات التي يختارونها، وربما يكون السبب في طبيعة الموضوعات التي تطرح للمعالجة.. لكن عندما يدور الموضوع حول ثقافة الأطفال وأسلوب التعامل معهم، فأعتقد أن الموضوع مهم وضروري، وهذا ما حصل منذ أيام إذ أقامت وزارة الثقافة ممثلة بمديرية ثقافة الطفل المؤتمر الثقافي الثاني بعنوان: “ثقافة الأطفال في زمن الحرب” في مكتبة الأسد، مما يثير التفاؤل بأن هذا الأمل المستقبلي وضعت موضوعاته على بساط البحث والمعالجة للارتقاء بالطفل نحو الأفضل.. والمفارقة التي حصلت أن عدد الحضور وعلى مدار اليومين المخصصين للمؤتمر، لم يتجاوز الثلاثين شخصاً، وأغلبهم إما من موظفي الوزارة والمكتبة، أو من أصدقاء المنتدين وذويهم، الأمر الذي يؤسف له أن ندوة هامة كهذه يغيب عنها المختصون بها، وهم الأولى بالحضور للبحث والمناقشة.
ربما ما يميز هذا المؤتمر غلبة العنصر النسائي فيه بدءاً من المشرفة على إعداده مديرة ثقافة الطفل وصولاً للمشاركات في جلسات المؤتمر، فحضرت الأديبة والإعلامية والباحثة والشاعرة والفنانة التشكيلية، وكل واحدة منهن تتمتع برصيد كبير من المعرفة والثقافة، فجاءت ورقات العمل التي قدمنها زاخرة بالأفكار والرؤى التي تساهم في إنقاذ أطفالنا من تبعات الحرب التي كانوا أول المتضررين منها، وتأهيلهم نفسياً وثقافياً ليكونوا أشخاصاً منتمين لوطنهم ومتسلحين بالمعرفة.
إن من حق أطفالنا علينا أن نرعاهم، ونعنى بتنشئتهم التنشئة السليمة والمتوازنة في كل المجالات، خاصة في ظروف الحرب التي تجعل المسؤولية تجاههم مضاعفة من خلال الكتابة لهم ورعايتهم ثقافياً بما يسهم إسهاما كبيرا في بناء شخصية متوازنة لاتساع آفاقهم، وامتداد ظلالهم ليطلوا على الحياة من كل نوافذها.
توزعت محاور المؤتمر على مدى يومين تناولت الآثار النفسية التي خلفتها الحرب عند الأطفال، والعمل على سد الثغرات التي أنتجتها الحرب في البرنامج التعليمي للأطفال الذين أجبرتهم ظروف الحرب على ترك الدراسة، وإعادة تأهيل الأطفال المتضررين من الحرب في مراكز اللجوء، واكتشاف مواهب الأطفال من خلال النشاطات المقدمة لهم، ودور المراكز الثقافية ومعاهد الثقافة الشعبية في تنمية مواهب الأطفال، ودور الخبرات الفنية المبكرة في صقل ثقافة الطفل، ولا يفوتنا الإشارة إلى أهمية إلقاء الضوء على ما يقدمه الإعلام الموجه للأطفال وأهدافه وتأثيره التربوي عليهم، والكتابة لهم وخصوصيتها وأهميتها، والقصة الموجهة للطفل وخصوصيتها كأداة لتنمية خياله، كذلك تلعب الترجمة دوراً كبيراً في إغناء خبرات التعامل مع الطفل من الثقافات الأخرى، وللشعر الموجه للطفل كوسيلة لتغذية اللغة عنده وفتح آفاق معرفية أمامه وأهمية تضافره مع الفنون المقدمة في كتب الأطفال ومراميها الجمالية وأهميتها في بناء العالم الروحي للطفل.
ونحن بدورنا نؤكد أهمية إقامة مثل هذه الندوات حول ثقافة الأطفال بين فترة وأخرى، فأطفالنا مثل باقة من صبا الورد وتألق الوعود، وامتداداً من ضوء حين يميل القلب ليلّم نجومهم التي تساقطت على شرفة الروح، تلتمع الأغاني على وقع خطوهم، وتتراقص الروح على صدى نداءاتهم، فيثب الحس إلى إعلان سؤدده المجيد ويفتح لهم قاعة الحب ليدخلوها من باب الغبطة والفرح الذي يليق بهم، لأنهم “بكرا اللي جاي”.. لقد أعطى أطفال سورية دروساً في المقاومة والصمود، وزرعوا شرايينهم مقاعد انتظار للّحظة التي يكبرون فيها ويثأروا لرفاقهم الذين قضوا ضحايا تفجيرات نفّذها حاقدون، سلاحهم في الحياة أقلامهم وحقائبهم ليبنوا وطنهم الذي يحلمون به ويشتاقون إليه سليماً معافى.