“قيصر”.. كوميديا سوداء
“بتر أذرع”، “الكابوس”، “الخانق”، “المدمّر”، “قيصر بكى من الأمل والتفاؤل عندما سمع أنّ مشروع القانون الذي يحمل اسمه على وشك أن يصبح قانوناً”. تلك هي بعض عبارات الانحطاط والبؤس التي تفتّق بها ذهن مرتزقة البنتاغون من السوريين في معرض تعليقهم على العقوبات الجديدة التي أقرها الكونغرس الأمريكي ضد سورية، والتي ينتظر توقيعها من الرئيس ترامب خلال الأيام القليلة القادمة.. الكوميديا السوداء، الأكثر إثارة للضحك والبكاء في ذات الوقت، هو ذلك الطابع الهوليوودي الذي حاولت الصحافة الأمريكية إسباغه على شخصية العميل إكس، العسكري السوري المزعوم الذي “أمضى أربعة أعوام في واشنطن يتردد خلالها على الكونغرس الأمريكي، مرتدياً معطفاً أزرق يغطي معالم وجهه وقفازات تخفي يديه، خشية ظهور أي علامة قد تشير إلى هويته.. يا للشفقة!!.. يا للهول!!
حقيقة!! قد يستغرب كل من قرأ النص الكامل لما سمي “قانون قيصر”، أو اطلع على بعض بنوده، كل تلك العدوانية الشاملة التي كتبت به، والتي لا تذكّر إلا بذلك الحقد الكريه، والشخصانية البغيضة، التي ميّزت الذهنية الإجرامية الإخوانية، كما اعتاد عليها السوريون خلال العقود الخمسة الماضية على أقل تقدير.. نزعة تدميرية تستغرق كل أبعادها المحتملة، ومستعدة للتحالف مع الشيطان، ولا يمكن أن يقف في طريقها أي وازع أخلاقي، أو وطني، أو إنساني، أو حتى ديني، وذلك في سياق تحقيق مكاسب تكتيكية وعرضية قد لا تكون مرشّحة للاستمرار أو التأثير!
ما جرى هو أن هؤلاء تصرّفوا تماماً وكأنهم، هم حقيقة، الخارجون من الكابوس، خاصة وأن الكثيرين، في الكونغرس والخارجية والبنتاغون، وفي طليعتهم إليوت إنجل، الناطق التقليدي باسم “إسرائيل”، يعيشون النهاية الفجائعية لـ “الثورة السورية المغدورة”، وسط هزيمة ميدانية منكرة على الأرض، وأن الخيارات الغربية باتت مغلقة إما على خسارة تاريخية في سورية، أو العودة المواربة للانخراط في عملية إعادة الإعمار من خلال إثقالها بالتعجيزات والشروط.. ما يمكن للغرب الأطلسي، الأمريكي والأوروبي، فعله في الوقت الراهن، وحتى أجل محدود، هو التذرّع ببعض الخونة والمتعاونين، الذين تخلّوا عن ورقة التوت، لاكتساب نفوذ ما في البحث عن موطئ قدم في الحل السياسي، وهو ما تستهدفه إدارة ترامب من وراء التوقيع على القانون الذي “صمد” قرابة ستة أعوام، والذي سقطت منه منطقة حظر الطيران لحماية “الأماكن التي يحتلها الجهاديون”، والتي كانت مدرجة في المشروع الأولي، قبل أن يصل عبثياً، وعشوائياً، وقد يكون غير قابل للتطبيق بحذافيره، إلى مكتب الرئيس!
تخمّن الإدارة الأمريكية أنها بذلك تؤكّد عزمها على العودة إلى لعب دور مهم في سورية والشرق الأوسط، وهي لاتزال تعتقد أن العقوبات الاقتصادية المستمرة طريقة فعالة لتغيير السلوك السوري، أو أنها يمكن على الأقل أن تحدث “تلك الفجوة!” بين الحكومة والشعب.. ولكن ديناميكيات فرض العقوبات التجارية، أو الحصار الاقتصادي، تسلك منحى آخر مختلفاً لا يبدو أن الأمريكيين والأوروبيين قادرين على استيعابه، أو التقاط خيوطه، على الرغم من امتداد سنوات الحرب، وعلى الرغم من خروج سورية، طوال العقود الماضية، أشد قوة ومنعة وتصبّراً من تحت الضغوط.
لم تختر سورية الحرب.. لقد فرضت عليها بالحديد والنار، ولكنها كسبت حينما اتخذت القرار بالمواجهة!
ولا يمكن لأحد أن يقبل أن عالم التغوّل الأمريكي قدر لا يمكن الخروج منه، فالعقوبات الجديدة هي نسخة أخيرة مستحدثة من مدونة سلوك عدوانية أمريكية تتوسّع اليوم لتطال نصف المجتمع الدولي، وهي لا تعبّر بذلك عن الجبروت والقوة الأمريكيين، بقدر ما تعبّر عن اليأس والإحباط، وتحمل في طياتها عوامل الفشل والعجز..
سورية ماضية إلى الأمام دولة ممانعة ومجتمعاً مقاوماً.. لقد علمتها خبرة نصف قرن من التهديدات والعقوبات والضغوط أن تعتمد على ذاتها، بالتعاون مع حلفائها المخلصين.. يبقى أن على أولئك المراهنين على كسر شوكة السوريين، أو محاربتهم بلقمة عيشهم، أن يتذكّروا أن الأحرار لا يقبلون العيش إلا واقفين.
بسام هاشم