اعتراف متأخر بالإبادة الأرمنية
سمر سامي السمارة
قرن ونيف، مضت على الإبادة الجماعية الممنهجة التي ارتكبتها الامبراطورية العثمانية بحق مليون ونصف المليون أرمني.
وعلى الرغم من اعتراف واحد وثلاثين دولة بالإبادة التركية للأرمن، فقد استطاعت جماعات الضغط التركية والإسرائيلية – لعقود من الزمن- الحيلولة دون اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الإبادة.
إلا أن الكونغرس الأمريكي تبنى مؤخراً، بالإجماع القرار رقم 150 ، و الذي يتطابق مع التدبير (H.Res.296) الذي تم تبنيه في مجلس النواب الأمريكي في تشرين الأول الماضي والذي يرفض رسمياً إنكار تركيا للإبادة الجماعية ضد الأرمن والإغريق والآشوريين والكلدانيين والسريان والآراميين والموارنة وغيرهم من الأمم المسيحية. ويمثل إقرار هذا القرار- الذي تزعمه السناتور روبرت مينينديز – للمرة الأولى اعتراف مجلس الشيوخ بالإبادة الجماعية الأرمنية ليأتي هذا القرار بعد ثلاثة أسابيع متتالية من تجنيد واشنطن ثلاثة أعضاء جمهوريين مختلفين لاستخدام حق النقض ضد مشروعه. وقال المدير التنفيذي للجنة الوطنية الأرمنية الأمريكية “آرام هامباريان” : “انضم مجلس الشيوخ اليوم إلى مجلس النواب في رفض حكم أنقرة إحياء ذكرى أمريكا الصادقة للإبادة الجماعية للأرمن متغلباً على أكبر وأطول حق نقض أجنبي ضد الكونغرس الأمريكي في التاريخ الأمريكي”.
وبدورها، اتهمت تركيا المشرعين الأمريكيين بتسييس التاريخ واستدعت سفيرها لدى الولايات المتحدة إلى أنقرة احتجاجاً على ذلك، وخوفاً من وقوع المزيد من الإضرار بالعلاقات بين أنقرة وواشنطن، عارض الرئيس الأمريكي ترامب القرار. ومع ذلك، فإن هذه الحجة لا أساس لها من الصحة، نظراً لأن العلاقات بين تركيا والبلدان الأخرى التي اعترفت بالفعل بالإبادة الجماعية للأرمن لا تزال قائمة دون تأثير يذكر على العلاقات السياسية والتجارية، ومثال على هذه الدول روسيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا والبرازيل إلخ.
كما أن الجارتين المقربتين لأرمينيا أي جورجيا وأذربيجان لا تعترفان بالإبادة الجماعية للأرمن، وبحسب المحلل السياسي أندرو كوريبكو: “نظراً لأن تركيا شريك تجاري رئيسي وأن الدولتين مرتبطتين بأذربيجان بخطوط أنابيب وبسكك حديدية الآن، فإن مصالح اقتصادية كبيرة على المحك في حال اعترفت جورجيا بالإبادة الجماعية للأرمن، وحيث أن علاقاتها مع أرمينيا جيدة إلى حد ما لا أعتقد أن هناك أي حافز لتغيير موقفها “.
وبحسب المعهد القومي الأرمني، “لقد ارتكبت الإبادة الجماعية للأرمن جمعية الاتحاد والترقي، الجناح الراديكالي لحزب تركيا الفتاة، الذي استولى على السلطة في الامبراطورية العثمانية، في محاولاتها لخلق مجتمع متجانس حصرياً من الأتراك، إذ سعى المتطرفون من” حزب تركيا الفتاة” إلى استبعاد السكان المسيحيين الذين سكنوا آسيا الصغرى من خلال طردهم والاستيلاء على أراضيهم والإبادة الجماعية لهم، وبحلول عام 1923 كُمت أفواه المسيحيين، بما في ذلك الآشوريون واليونانيون”.
عرّفت الروايات التاريخية، ثلاثة قادة عثمانيين يُعرفون باسم “الباشوات الثلاثة” بوصفهم مهندسي هذه الإبادة الجماعية ذات الدوافع الأيديولوجية، وهم إسماعيل أنور وأحمد جمال ومحمد طلعت. ومع ذلك، فقد كان هناك شخصية بارزة أخرى قامت بتتريك ” الإمبراطورية العثمانية” وهو الدكتور محمد ناظم المعروف أيضاً باسم ناظم بك والذي لعب مع الأعضاء الآخرين في المنظمة الخاصة في تركيا ” التنظيم السري الذي تأسس داخل جمعية الإتحاد والترقي” دوراً مهماً بذلك. وللتنويه، فإنه من أصول يهودية – من يهود الدونمة- المشبوهين السبتيين الذين تحولوا علانية إلى الإسلام ولكن احتفظوا بمعتقداتهم سراً. وخلال اجتماع لجمعية الاتحاد والترقي ألقى الدكتور ناظم خطاباً حث فيه على إبادة الأرمن، قال فيه: “في حال تغاضينا عن ما وقع من عمليات القتل الجماعي المحلية في أضنه وفي أماكن أخرى في العام 1909 … ولم نقم بتطهير شامل ونهائي، فسيؤدي ذلك حتماً إلى مزيد من المشاكل. لذلك، كان ضرورياً للغاية القضاء على الشعب الأرمني بأكمله، بحيث لا يتبقى أي أرمني على هذه الأرض وأن يتلاشى أي مفهوم مرتبط بالأرمن. مضيفاً “الإجراءات التي سوف نتبعها هذه المرة هي إبادة تامة، ومن الضروري ألا ينجو أرميني واحد منها “. و خلال لقاء سري لجمعية تركيا الفتاة، قال أيضاً: “المذبحة ضرورية، يجب القضاء على كل من ينحدر من أصول غير تركية، ينبغي إبادتهم جميعاً، أيا كانت الدولة التي ينتمون إليها “.
وكان قد أعلن قبل شهرين من الإبادة الجماعية للأرمن في شباط 1915 سياسة حكومية جديدة للإبادة الكاملة للأرمن، مبيناً خطته المتمثلة في “تحرير الوطن الأم من تطلعات هذا العرق الملعون” في إشارة منه إلى الأرمن.
ليهرب إلى ألمانيا بعد ثلاث سنوات ويحُكم عليه بالإعدام غيابياً بسبب دوره في الإبادة الجماعية للأرمن، إلا أن هذا الحكم لم ينفذ حقيقة، وقد تم إعدامه عام 1926 لمحاولته اغتيال مصطفى كمال أتاتورك.
في الحقيقة، لعب العثمانيون الأكراد دوراً في المجزرة التي أُرتكبت بحق الشعب الأرمني والآشوري، الآرامي واليزيدي أيضاً، رغبة منهم في كسب تأييد تركيا وأملاً بتحقيق مطالبهم بأراضيهم. إذ أعلن السياسي الكردي في تركيا “أحمد ترك” قبل خمس سنوات، أن الأكراد شاركوا في ” الإبادة الجماعية أيضاً”، ويقدمون الاعتذار للشعب الأرمني، وقال: “لقد استخدم آباؤنا وأجدادنا العنف ضد الآشوريين واليزيديين ، وكذلك ضد الأرمن، لقد اضطهدوا هؤلاء الناس، فأيديهم ملطخة بالدماء”.
وهنا نتساءل هل يكفي اعتراف الولايات المتحدة وإدانة الإبادة الجماعية ضد الأرمن ، ومتى ستتحمل الولايات المتحدة مسؤوليتها عن المذابح الكثيرة التي ترتكبها ضد المدنيين بذريعة “محاربة الإرهاب”؟.