المعجوقة (لحم بعجين)
تتشابه أثواب القصص بأكمامها الطويلة والقصيرة وعُرى سخريتها من هذا الواقع الذي (ضيّع نسل أبوته وأمومته) بحسب تعبير الشاعر أمير سماوي.
وقد أرسل لي أحدهم قصة صطيف الحربوق عندما كان طفلاً. والقصة تتشابه مع حكاية طفل أوربي كان يبلغ من العمر عشر سنوات.. حيث دخل ذاك الولد إﻟﻰ ﻣﻘهﻰ ﻭﺟﻠﺲ بكل عزة نفس.. فجاءت النادلة ووضعت كأساً من الماء على الطاولة مع ابتسامة مشرقة تفوح منها رائحة الحياة، ﻓﺴﺄلها ﺍﻟولد عن سعر الآيس ﻛﺮﻳﻢ ﺑﺎﻟﻜﺎﻛﺎﻭ. قالت له بصوت عذب: ﺑـ 5 ﻳﻮﺭﻭ فقط. ﻓﺄﺧﺮﺝ ﺍﻟﺼﺒﻲ النقود وبدأ بعدّها.. ثم ﺴﺄﻟﻬﺎ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ: ﺣﺴﻨاً سيدتي، ﻭﺑﻜﻢ ﺍلآﻳﺲ ﻛﺮﻳﻢ ﻓﻘﻂ ﺑﺪﻭﻥ ﻛﺎﻛﺎﻭ؟ هنا، بدت علامات عدم الرضا على وجه النادلة وهي تنظر إلى الولد تارة وإلى زبائن الطاولات المجاورة تارة أخرى. فأجابته بفظاظة: ﺑـ 4 ﻳﻮﺭﻭ!
استقر الولد على طلب الآيس كريم العادي دون أي شيء آخر، وبعد أن انتهى، دفع الفاتورة وﻏﺎﺩﺭ ﺍﻟﻤﻘﻬﻰ. ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﺎﺩﺕ ﺍﻟنادلة ﺇﻟﻰ طاولة الولد لأخذ الحساب وتنظيف الطاولة، نزلت دموعها بعدما عرفت أن الولد قد ﺣﺮﻡ ﻧﻔﺴﻪ ﺍلآﻳﺲ ﻛﺮﻳﻢ ﺑﺎﻟﻜﺎﻛﺎﻭ ﺣﺘﻰ ﻳﻮﻓﺮ “ﺒخشيشاً” ويتركه للنادلة.!
أما علاقة (صطيف) بالقصة، فتقول الحكاية إنه دخل وهو صبي بعمر الورود(عشر ﺳﻨﻮﺍﺕ) إلى أحد المطاعم ﻭﺟﻠﺲ بكل عزة نفس أيضاً، ﻭجاءه ﺍﻟﺠﺮﺳﻮﻥ مبتسماً أنيقاً جداً ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪ: ﺷﻮ بتحب تاكل وتشرب ياعين عمك؟
قال ﺍﻟﺼﺒﻲ والخجل يشرشر من وجهه: ﻋﻨﺪﻙ ﻫﻤﺒﺮﻏﻞ؟ ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺠﺮﺳﻮﻥ: في ﻫﻤﺒﺮغر ﻋﺎﺩﻱ ﺑـ 450 ﻟﻴﺮﺓ، ﻭفي ﻫﻤﺒﺮغر ﻣﻊ ﺟﺒﻨﺔ ﺑـ950 ﻟﻴﺮﺓ.
صطيف: طيب ﺍﻋﻄﻴﻨﻲ ﻫﻤﺒﺮﻏﻞ ﺗﺒﻊ ﺍلـ 450 ﻭﺭﻗﺔ.
ﻓﺄﺣﻀﺮ ﻟﻪ ﻃﻠﺒﻪ، ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺟﻊ ﺍﻟﺠﺮﺳﻮﻥ ﻟﻜﻲ ﻳﻨﻈﻒ ﺍﻟﻄﺎﻭﻟﺔ، نزلت دموعه بعدما عرف أنّ (صطيف) اختفى مع فاتورة الحساب وعلبتي الملح وﺍﻟﻔﻠﻔﻞ وﻋﻠﺒﺔ ﺍﻟﻜﺎﺗﺸﺐ وغطاء الطاولة وعلبة المحارم والكاسات وﺑﺴﻜﻠﻴﺖ ﺍﻟﺠﺮﺳﻮﻥ المركون خارج المطعم. تشابهت دموع النادلين حقيقة في القصتين.. وحديث (الهم برغل) قادني لاستحضار بعض سِيَر الفقر ومشتقاته.. فإحدى قرانا تُتهم ظلماً وبهتاناً بالبخل الشديد، ويقال إنّ أهلها لحقوا الدبور لأنه سرق حبة عنب من أحد الكروم. ولأن الرواة هم من بلدة مجاورة، فقد نالوا نصيبهم أيضاً من القصص نفسها.. وعلى ذمة أحدهم قال إن اثنين من أهلها تراهنا في أربعينيات القرن الماضي على أكلة (معجوقة) لحم بعجين، على أن يفوز بالعشاء من يبقى تحت الماء أكثر، وحتى الآن لم يخرجا من تحت الماء.
وفي البلدة نفسها، كان أحد البخلاء يمشي برفقة ولده في جنازة، فسمع الولد عويل زوجة المتوفى وصراخها تقول: آه يا حبيبي سوف يأخذونك إلى بيت لا طعام ولا ماء فيه ولا كساء.
فقال الولد: هل سيذهبون به إلى بيتنا يا أبي؟.
رائد خليل