مد وجزر في الحرب التجارية الراهنة
إعداد: هيفاء علي
توصلت الولايات المتحدة والصين في 11 تشرين الأول 2019 إلى أول اتفاق جزئي بعد ثمانية عشر شهراً من الحرب التجارية الطاحنة بين البلدين. وقد لاقت هذه الأخبار أصداء إيجابية، ولاسيما أن الرئيس ترامب أعلن تعليق زيادة الضرائب على الواردات الصينية التي تبلغ قيمتها 250 مليار دولار، ويشمل هذا الاتفاق التزامات صينية بشأن شراء المنتجات الزراعية والتقدم في مجال الملكية الفكرية.
وبينما يرى مراقبون أن هذا مؤشر على الاسترخاء، يصرّ كريس كروجر، كبير محلّلي السياسات في مجموعة كاوين واشنطن للأبحاث، على أن الرسوم الجمركية هي مجرد قمة جبل الجليد، وأن المصادر الحقيقية للصراع تشمل تدفق رأس المال وقيود سلسلة التوريد، وضوابط التصدير والسياسة الصناعية. ومع ذلك تستمر حرب المعلومات بين الجهات الفاعلة الوطنية والعديد من الشركات متعدّدة الجنسيات الخاصة التي تهيمن على الثقافة والصناعات التكنولوجية، مثل غوغل، الأمازون، الفيسبوك، أبل، مايكروسوفت، والتي ينبغي أن تستمر في العمل على الرغم من هذا الاتفاق.
في قلب هذه الحرب التجارية التي شنّها دونالد ترامب منذ الربع الأول من عام 2018 على اقتصاد جمهورية الصين الشعبية، طالبت الولايات المتحدة بكين بالتخلي عن الممارسات التجارية التي تعتبرها “غير عادلة”، مثل نقل التكنولوجيا القسرية أو الإعانات للشركات الصينية، وهدّدت بتنفيذ زيادة التعريفة الجمركية في 15 تشرين الأول والتي تمّ تأجيلها، بمناسبة الذكرى السبعين لجمهورية الصين الشعبية.
في رواية الحرب التجارية هذه التي تتميّز بمراحل من المدّ والجزر، دخلت العلاقات بين البلدين ديناميكية جديدة منذ 27 آب 2019 عندما فرضت واشنطن الضرائب الجمركية على ما يعادل 250 مليار دولار إضافية من البضائع الصينية المستوردة، وأجلّت فرض ضريبة إضافية بنسبة 10٪ على مجموعة من السلع الاستهلاكية، بما في ذلك الالكترونيات.
وكان الردّ الصيني التهديد باتخاذ “تدابير انتقامية ضرورية” إذا نفّذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهديده بتوسيع الرسوم العقابية على جميع المنتجات الصينية المستوردة. ففرضت الرسوم الجمركية بنسبة 25٪ على السيارات الأمريكية، وكذلك 5٪ على قطع غيار السيارات وشملت هذه الرسوم الإضافية 5،078 منتجات أمريكية، بما في ذلك المنتجات الزراعية مثل فول الصويا والنفط الخام والطائرات الصغيرة. وفي اليوم نفسه أعلن الأمريكيون عن زيادة أخرى في الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية المتبقية البالغة 300 مليار دولار، والتي ارتفعت من 10٪ إلى 15٪ ، اعتباراً من 1 أيلول.
المواجهة المعلوماتية
لوحظ استعراض للقوة في الأيام التي سبقت الجولة الثالثة عشرة من المحادثات بين الولايات المتحدة والصين، والتي عُقدت في 11 تشرين الأول الماضي بحضور نائب رئيس الوزراء الصيني كبير مفاوضي الصين، والرئيس الأمريكي.
أدرجت الإدارة الأمريكية لأول مرة 20 مكتباً صينياً للأمن العام وثماني شركات للتكنولوجيا العليا قبيل الإعلان عن قيود التأشيرة للمسؤولين الصينيين الذين يعتبرون مسؤولين أو متواطئين في قمع المظاهرات في الصين. من بين هذه الشركات، هناك الشركة الرائدة عالمياً في مجال معدات المراقبة بالفيديو وشركات الذكاء الاصطناعي التي توفر للسلطات حلول برمجيات التعرف على الوجه. تنطبق هذه العقوبة على هاتين الشركتين على الرغم من احتفاظهما بروابط رأسمالية وتكنولوجية مع صناديق الاستثمار والجامعات الأمريكية، ويمكن تفسير ذلك بالاستجابة للإشارات المتزايدة لهاتين الشركتين اللتين يمكن أن تصبحا رائدتين في السوق مستقبلاً.
وقد انتقلت الشركة من تقنية التعرف على الوجوه إلى الأمن المالي، وتسليم الروبوتات والسيارات من دون سائق. كما تمّ استهداف العديد من الشركات الأخرى التي تعمل في مجال التعرف على الوجه والصوت والمراقبة. وتتمتّع الشركات بمجال اهتمام الولايات المتحدة حيث إنها تمسّ قطاعي الأمن السيبراني والتقنيات المتقدمة، وهي سوق ستتوسع بأكثر من 60٪ بحلول عام 2020، وفقاً لتقرير صادر عن الشركة. على هذا النحو، تتهم الصين الولايات المتحدة باستخدام هذه القضية “كذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للصين”.
وفي الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر إجراؤها في عام 2020 يجد الرئيس الأمريكي نفسه في دائرة التحقيق وإجراءات عزل محتملة أطلقها الديمقراطيون في الكونغرس بعدما كشفت المخابرات الأمريكية في آب الماضي أن ترامب ضغط على الرئيس الأوكراني الجديد فولوديمير زيلينسكي من خلال تجميد المساعدات العسكرية لأوكرانيا من أجل الضغط على كييف، للحصول على تحقيق بشأن جو بايدن، منافسه الديمقراطي المحتمل في الانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني 2020، وابنه هنتر الموجود في البلاد. كما يجب عليه التعامل مع عدم شعبية قراره بسحب القوات الأمريكية من سورية.
حتى أوروبا لم تسلم من العقوبات الأمريكية
إذن، يأتي هذا الاتفاق الجزئي في وقت يلهث فيه الاقتصاد العالمي من هذه الحرب التجارية المستعرة منذ ثمانية عشر شهراً، حيث يحتاج الرئيس الأمريكي إلى إحياء ذروته في هذه المرحلة من عدم الشعبية واقتراب موعد الانتخابات الأمريكية بوتيرة سريعة. وفي هذا السياق تجدّدت التوترات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما يجعل هذا الاتفاق يتيح لترامب التركيز على هذه الحرب التجارية الجديدة، مع مواصلة حرب غير مباشرة مع الصينيين، حيث فرضت الولايات المتحدة مؤخراً عقوبات جمركية على المنتجات الأوروبية بقيمة 6.8 مليارات يورو، ويأتي هذا الإعلان بعد أربعة أيام من الضوء الأخضر لمنظمة التجارة العالمية في واشنطن لفرض عقوبات ضد الاتحاد الأوروبي رداً على الإعانات الأوربية الممنوحة لشركة إيرباص.
تترجم العقوبات الجديدة التي أعلنتها الولايات المتحدة ضد الاتحاد الأوربي استئناف الحرب التجارية التي تدهورت بعد افتتاح دونالد ترامب في عام 2017، قبل أن يتمّ استرضاؤها بتوقيع نوع من الهدنة مع جان كلود يونكر في واشنطن في آب 2018. وقد أعربت المفوضة الأوروبية للتجارة، سيسيليا مالمستروم، عن أسفها لأنه ليس لدى الاتحاد الأوروبي خيار آخر سوى الانتقام، والذي يمكن أن يتدخل في أعقاب نشر قرارات منظمة التجارة العالمية المتوقعة بحلول العام الجديد بشأن الإعانات الأمريكية الممنوحة للشركة المصنّعة لطائرات بوينغ.