لإبعاد التهمة عن ابن سلمان.. النظام السعودي يحكم بإعدام 5 أشخاص في قضية خاشقجي
في محاولة لتضليل الرأي العام وإبعاد الأنظار عن تورّط مسؤوليه، وفي مقدمتهم ولي عهد النظام السعودي محمد بن سلمان، أصدرت النيابة العامة التابعة لهذا النظام، أمس، حكماً يقضي بإعدام خمسة أشخاص وسجن ثلاثة آخرين، فيما برأت ثلاثة آخرين في قضية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول العام الماضي.
وأعلنت النيابة العامة في بيان لها عن صدور حكم بالإعدام بحق خمسة أشخاص وسجن ثلاثة آخرين لمدة تبلغ في مجملها 24 عاماً في هذه القضية، التي شملت 31 شخصاً.
وكان خاشقجي اختفى بعد دخوله إلى قنصلية بلاده في إسطنبول في الثاني من تشرين الأول عام 2018، وقالت سلطات النظام السعودي في البداية: “إنه خرج من القنصلية حياً ثم عادت واعترفت بمقتله خلال “عراك بالأيدي” في القنصلية”، ثم قالت في رواية ثالثة: “إنه قتل خنقاً”، فيما قوبلت تلك الروايات بانتقادات وتشكيك كبيرين من عدد كبير من الدول والمنظمات الدولية التي طالبته بإجابات صريحة وواضحة حول هذه الجريمة والمتورطين فيها وبالكشف عن مصير الجثة.
وفي محاولة لإبعاد الشبهات عن المقربين من ابن سلمان، برأت النيابة العامة سعود القحطاني، المستشار المقرب منه، ولم توجه له أي اتهام، كما قررت الإفراج عن نائب رئيس الاستخبارات السابق أحمد عسيري، في حين قالت: “إنّ القنصل السعودي السابق في إسطنبول محمد العتيبي لم يكن في القنصلية وقت عملية القتل وإنه جرى إطلاق سراحه”.
وزعمت النيابة العامة في بيانها أن جريمة قتل خاشقجي لم تتم بنية مسبقة كما أنها لم تذكر أسماء الأشخاص الذين حكمت عليهم بالإعدام أو الذين حكمت عليهم بالسجن.
يشار إلى أن النظام السعودي لجأ إلى الإعلان عن محاكمة صورية لـ11 شخصاً وصفهم بأنهم ضالعون في الجريمة، في محاولة تضليلية ولإبعاد الشبهات عن تورط مسؤوليه، وطلبت النيابة العامة التابعة له في أول جلسة لمحاكمتهم مطلع العام الحالي عقوبة الإعدام لخمسة منهم.
الأمين العام لمنظمة “مراسلون بلا حدود” كريستوف ديلوار، اعتبر في تغريدات له على “تويتر”، أنّ محاكمة خاشقجي لم تحترم المعايير الدولية للعدالة، فالتحقيق فاشل وجلسات الاستماع مغلقة، مبرزاً أنّ غموض الإجراءات وإخفاء الأدلة لا يعطينا فكرة عن أسباب الإدانة والبراءة، وأكد أنّ عقوبة الإعدام لا تحقق العدالة، مضيفاً: “يمكننا تفسيرها كوسيلة لإسكات المشتبه بهم إلى الأبد، كوسيلة لمنعهم من التحدث لتمويه الحقيقة”.
وتعليقاً على ذلك، حثّت وزارة الخارجية البريطانية الرياض على ضمان محاسبة المسؤولين عن مقتل خاشقجي، وقال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب: “يجب عدم تكرار مثل هذه الجرائم الشنيعة”، فيما ندّدت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج القضاء، أغنيس كالامار، بشدة بأحكام قضاء النظام السعودي تبرئة مسؤوليه من جريمة قتل خاشقجي، واصفةً هذه الأحكام بأنها “مثيرة للسخرية”.
وقالت كالامار في سلسلة تغريدات على “تويتر”: “عادةً ما يكشف الإفلات من العقاب بعد قتل صحفي ما عن القمع السياسي والفساد وإساءة استخدام السلطة والدعاية وحتى التواطؤ الدولي وجميع هذه الأمور حاضرة في قتل السعودية لجمال خاشقجي”، وأضافت: “تم الحكم بإعدام منفذي عملية القتل لكن العقول المدبرة لم يمسها التحقيق أو المحاكمة وهذا يتنافى مع العدالة.. وأمر يدعو للسخرية”، مبينةً أن المتهمين قالوا مراراً إنهم يطيعون الأوامر، وصرح المدعي العام السعودي علناً أن مستشار ولي العهد السعودي الشخصي سعود القحطاني طالب باختطاف جمال خاشقجي ومع ذلك لا يزال حراً، وأردفت: “قام المسؤولون السعوديون الثمانية عشر الذين حضروا بمفردهم في القنصلية السعودية في إسطنبول لأكثر من 10 أيام بتنظيف مسرح الجريمة، وهذا عائق أمام العدالة وانتهاك لبروتوكول مينيسوتا للتحقيق في أعمال القتل التعسفي”.
وشدّدت كالامار على أن قتل خاشقجي كان يتطلب إجراء تحقيق في سلسلة القيادة للتعرف على العقول المدبرة وكذلك أولئك الذين حرضوا أو سمحوا أو غضوا الطرف عن القتل مثل ولي العهد.
وأوضحت مقررة الأمم المتحدة أن وجود طبيب شرعي مسجل في فريق القتل الرسمي قبل 24 ساعة على الأقل من الجريمة ومناقشة تقطيع الجثة قبل ساعتين من وقوعها بالفعل يشير بوضوح إلى التخطيط.
وكانت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية تساءلت في كانون الثاني الماضي عن مكان القحطاني، وذكرت أنه شوهد مؤخراً في مدينة جدة وفق رواية أحد السكان، وفي مكاتب الديوان الملكي بالعاصمة الرياض، بحسب ما أفاد شخص يعمل مع الحكومة.
وكالة “رويترز” كشفت في وقت سابق نقلاً عن مصادر مطلعة أن القحطاني هو من أدار عملية قتل خاشقجي، من خلال اتصال عبر “سكايب”، فيما انتشرت شائعات عدة عن مصير القحطاني، أبرزها الحديث عن المواقع الحساسة التي ما زالت تحت تصرفه، في ظل إنكار إقالته من جميع مناصبه، بحسب وسائل إعلام أجنبية.