تحقيقاتصحيفة البعث

زواج الأقارب هل هو حق مشروع؟

ذات مرة كنت ضيفاً عند إحدى القرى العشائرية، قرية واسعة حل فيها التحديث نوعاً ما، وتركن عند أطراف العاصمة بجمال ساحر، لكن أشد ما أحزنني هناك أعداد المعوقين فيها كباراً وصغاراً، والسبب الذي لم يدرك من وراء ذلك هو (زواج الأقارب) الذي يحدث بينهم عادة ويتكرر بين عائلاتهم، إذ يوجد في هذه القرية ما يقارب (١٥) معوقاً بأعمار تتراوح بين حديثي الولادة وسن الأربعين، وفيها عائلة تضم ثلاثة أشقاء معوقين.
حسب ما عرف طبياً أن الزواج المتكرر من النسب الواحد يولّد ولادات مشوهة، وهذا ما يحدث في أغلب الحالات، ويصف أحد وجهاء تلك العشيرة هذا الارتباط بأنه أمر “إجباري” درجت عليه العشيرة منذ عقود، ويقصد به زواج أبناء العم من بنات العم، أو ابن الخال من بنت عمته عموماً، هو زواج الأقارب، وحيث إنهم أناس بسطاء ولا يدركون أهمية تغيير الأنساب، أفضى ذلك إلى أفراد معوقين ومشوهين نتاج زيجات أقارب في عشيرة واحدة، لذا يبدو عليه الأسى من تلك التقاليد، ويقول إنها عادات عشيرتنا، إذ لا تخرج الفتاة خارج نطاق العشيرة، وإذا أحب الرجل الزواج فيختار واحدة من بنات القرية، فنحن عشيرة معروفة، ولا نحبذ دخول غريب بيننا، وطبيعة حياتنا ريفية، وبناتنا ورجالنا كثيرون، قد يأتي الغريب ويفرق كل ما هو جميل، أو قد لا ينسجم معنا، (راحة بالنا أهم من أي شيء).

ضحايا ولكن!
تزوجت (ع.ع) من ابن عمها منذ عشر سنوات، هكذا من دون مقدمات، أقصد من دون أية علاقة حب، فقط إيجاب وقبول من قبل الأهل، فهما أبناء عم، ولا يمكن رفض ذلك، أنجبت طفلها الأول بصحة جيدة، ثم الثاني اكتشفوا بعد مدة أنه مصاب بشلل دماغي، وشيئاً فشيئاً أصبح معوقاً، تبعته شقيقته التي ولدت سليمة، ثم بدأ العوق يظهر فيها منذ السنة الثانية، بدأ بحول بسيط، ثم بطء حركة الأطراف السفلى، هي الآن في عمر خمس سنوات، وبنبرة حزن تحدثت إحدى الأمهات قائلة: يقتلني الحزن كل لحظة عندما يكبر طفلي أمامي وهو منعزل عن العالم نتيجة إصابته بمرض وراثي، مبدية حزنها لمرض ابنها، وقالت: أحضن ولدي كثيراً ليشعر بالأمان، وتظل دموعي رفيقتي طوال السنين، وأنا أعلم أنه لن يشفى من هذا المرض، وأعربت عن ألمها قائلة: عندما يأخذ ولدي العلاج أشعر به وهو يتألم، ولا أستطيع تخفيف معاناته.

فحوصات
من جهته أفاد الدكتور “محمد الخالدي”، اختصاصي الأمراض الوراثية، بأن إجراء الفحص للمقبلين على الزواج أمر ضروري لمعرفة وجود الإصابة لصفة بعض أمراض الدم الوراثية: “فقر الدم المنجلي، الثلاسيميا”، وبعض الأمراض المعدية كالتهاب الكبد الفيروسي، ونقص المناعة المكتسب، وذلك بغرض إعطاء المشورة الطبية حول احتمالية انتقال تلك الأمراض للطرف الآخر من الزواج، أو الأبناء في المستقبل، وإعطاء الخيارات والبدائل أمام الخطيبين من أجل مساعدتهما على التخطيط لأسرة سليمة صحياً، وعن فوائد الكشف المبكر للأقارب قبل الزواج قال: الهدف منه تقليل انتشار الأمراض.
د. رحيم هادي الشمخي