تشوبه التجاذبات والجدال الواقع الاستثماري رهن تناغم الجهات العامة وإجراءاتها البينية.. والدليل الإجرائي لابد منه
يبدو أن الواقع الاستثماري لا يزال يفتقد لوجود إطار عام للفرص الاستثمارية المطروحة، والذي من شأنه تحديد أولوية الفرصة وبيان مدى جدواها ونفعها على الاقتصاد الوطني، وتحديد السلاسل المفقودة -إن صح التعبير- في هذه الفرص، بحيث يتم تحويلها إلى فرص مكملة تخدم العملية الاستثمارية، شرط أن تكون مكتملة التفاصيل وحاصلة على كافة الموافقات والتراخيص، ومدعمة بالحوافز لتثير شهية المستثمرين وتدفعهم لدخول هذا المضمار الحيوي. لكن ورغم الاهتمام الجليّ بهذا القطاع لا تزال هيئة الاستثمار السورية تكابد في رسم ملامح الخارطة، ولم يثمر شعار “الاستثمار الناجح.. الكل رابح” في توحيد الجهود والأهداف لجهة رفع سوية الاستثمار وجذب المستثمرين، أكانوا محليين أم أجانب، ليخوضوا تجربتهم في الخصب السوري.
عدم تناغم
يبدو أن الإشكاليات الفنية المتعلقة بطبيعة الفرصة الاستثمارية والإجراءات الإدارية والروتينية المرتبطة بالوزارات صاحبة الفرص لا تزال تتصدر المشهد، على الرغم من وجود مركز خدمات المستثمر، وذلك لغياب تفويض الصلاحيات الكاملة لممثلي الجهات وعدم تناغم وجهات النظر بين الهيئة والجهات المعنية، إذ لا تزال المناقشات والدراسات قائمة ضمن اجتماعات متكررة للتوصل إلى صيغ موحدة، الأمر الذي يعرقل تكامل خطوات المستثمر ويبعثر جهوده ووقته في متابعة ما يتعلق بفرصته الراغب بها. ولمعالجة الإشكالية عملت الهيئة على إنهاء الدليل الإجرائي للمستثمر، بحيث يكون دليلاً إجرائياً محدداً بالوقت والكلفة الحقيقية للمشاريع، واعتبر مدير عام هيئة الاستثمار السورية مدين دياب أن الإجراءات البينية بين الوزارات إحدى أكبر العوائق أمام المستثمرين والتي تستنزف جهداً ومالاً وتهدر الوقت، فلابد من دليل إجرائي يشكل نقطة بداية واضحة يشمل كافة النقاط والمعلومات التي توضح الطريق أمام المستثمر، وتطمح الهيئة إلى وضع دليل إجرائي واضح وشفاف ومبسط في كل قطاع يختصر الزمن ويبين الكلفة الحقيقية التي تخفّف على المستثمر جملة من الأعباء والضغوط وتجنبه الخوض بمسيرة من الإجراءات المعرقلة، منوهاً بأنه تم الانتهاء من تسع جهات عامة، فيما لا تزال المناقشات قائمة مع الجهات المتبقية لإعادة هندسة إجراءاتها والتوصل إلى دليل إجرائي واضح، ولأن الهيئة بحكم تماسها مع المستثمرين بشكل مباشر واطلاعها على كافة المشكلات التي تواجه تطلعاتهم، فقد عملت على وضع منظومة تقييم وتطوير لتراخيص الأعمال بهدف تشجيع الاستثمار في سورية وإضافة بعض النقاط المهمة من وجهة نظر المستثمر إلى الدليل.
تكامل مدروس
لضمان الوصول إلى خدمات حكومية مترابطة ومتقاربة تشبه مثيلاتها في الدول المتقدمة، تفتح الباب واسعاً أمام التدفقات الاستثمارية المحلية والأجنبية وتسريع تنفيذها، بيّن دياب أنه تمت مراجعة الخدمات الاستثمارية وآلية تقديمها مع الجهات العامة من خلال اجتماعات تنسيقية ومتكررة، تمت على ثلاث مراحل مع المختصين والفنيين في كل جهة من هذه الجهات، وبحضور ممثل الجهة بمركز خدمات المستثمر ليصار إلى تحديد متطلبات منظومة التراخيص والموافقات والشهادات، كما تم إضافة خدمات جديدة لم تكن موجودة سابقاً إلى مركز خدمات المستثمر، كالخدمات الاجتماعية والتي تهمّ المستثمر والعامل والاقتصاد الوطني على حدّ سواء، وتم الحصول على تفويضات بتقديم خدمات كانت تقدم للمستثمر لتضاف إلى النافذة الواحدة.
ترميز إلكتروني
وبالتوازي تعمل الهيئة على الأرشفة الإلكترونية وأتمتة كافة الخدمات، حيث يتم إعادة ترميز وهندسة هذه الخدمات وتحويلها إلكترونياً وإدراجها ضمن نظام الكتروني للوصول إلى مركز معطيات موحد، لافتاً إلى جاهزية دفاتر الشروط للمشروع، وتمّ الحصول على موافقة مجلس الوزراء لتنظيم عقد بالتراضي مع شركة تكنولوجيا المعلومات الوطنية التي أنجزت الدراسات التحليلية والفنية، وسيتم تنفيذ العقد في مطلع العام القادم، وبالتالي سيكون بمثابة مصدر لكافة البيانات والمعلومات والوثائق العامة للجهات العامة وللمستثمرين على حد سواء، ودورة مستندية مغلقة تبدأ بطلب المستثمر وتنتهي بنتيجة محددة خلال مدة محددة من خلال نافذة إلكترونية واحدة. كما تسعى الهيئة إلى إعادة رسم خريطة الإجراءات بالاستفادة من وجود التمثيل والتفويض للجهات المعنية في مركز خدمات المستثمر، ما يؤدي إلى تبسيطها واختصار الزمن وتكلفتها المالية، وبيّن أنه أصبح لدى الهيئة تمثيل لـ 29 جهة عامة، منها أربع جهات في المركز والفروع وتفويضات لـ16 جهة كلية أو جزئية، وهناك سبع جهات باشرت حديثاً في النافذة الواحدة، كالتأمينات الاجتماعية والتربية والتعليم العالي والنفط والسياحة والشؤون الاجتماعية.
وباعتبار أن المشاريع الاستثمارية لها دور مهم في خلق فرص العمل والحدّ من البطالة، فقد أطلقت الهيئة خدمات مؤسسة التأمينات الاجتماعية كخدمات جديدة في مركز خدمات المستثمر تسمح بتسجيل العمال بالتأمينات الاجتماعية لحماية حقوق العاملين، وتبسيط الإجراءات على صاحب المنشأة للبدء بنشاطه وتسجيل عماله، حيث تم وضع اللمسات الأخيرة لنحو تسع جهات، كالجمارك وهيئة التخطيط الإقليمي ومصرف سورية المركزي، وعدد من الوزارات كالصناعة والدفاع والخارجية والتربية ولا يزال هناك 15 جهة قيد العمل.
الاستخراجية أولاً
وفيما يتعلق بالفرص الاستثمارية خلال العام الحالي، بيّن دياب أنه استقطاب لبعض المشاريع الاستثمارية المطروحة من قبل المستثمرين المحليين في مختلف القطاعات، إذ تصدّرت الصناعات الاستخراجية والنقل قائمة أكثر القطاعات استقطاباً، حيث تم تشميل العديد من المشاريع ودخل بعضها مرحلة بدء التأسيس فيها، كما تم تنفيذ العديد من مشاريع الطاقات البديلة والتي تركزت معظمها في محافظة طرطوس، بالتوازي مع البدء بمشروع النقل النوعي في العام الحالي -مشروع باصات النقل العاملة على الطاقة الشمسية- وهو عبارة عن فكرة قدمها أحد المستثمرين وتم تبنيها وطرحها، والبدء بتنفيذ الإجراءات التأسيسية له وستكون البداية في محافظة ريف دمشق، تليها مشاريع الصناعات التحويلية التي تم عرضها عشلى كافة المستثمرين، فتلاقت مع رغباتهم وتم استقطابها وتشميلها، مشيراً إلى ارتفاع في نسبة استقطاب المشاريع خلال العام الحالي وذلك باعتماد الهيئة منهجية كاملة تقوم على العمل الجماعي والتكامل مع جميع الجهات العامة لمتابعة تنفيذ هذه المشاريع على أرض الواقع وتأمين كافة متطلباتها، وأبدى أمله في الوصول بالهيئة لتكون لبوابة وحيدة للمستثمر بحيث يحصل على كافة الخدمات التي تتعلق بمشروعه الاستثماري وفي كافة مراحل المشروع.
فاتن شنان