لابد من توجيه البوصلة الحملة التموينية.. محاولات لضبط الأسواق ومطالب بصندوق للدعم التمويني
منذ أن أطلقت وزارة التجارة الداخلية صافرة حملتها الرقابية على الأسواق، متزامنة مع زيادة الرواتب، والأسواق في فوضى، عمليات احتكار، وارتفاع جنوني بالأسعار، أبرز سمات المشاكل المستعصية اليوم في وجه الرقابة التموينية التي تسعى جاهدة لحل الاستعصاء، ولكن برصاصات خلبية، وباتجاه خاطىء لبوصلة الرقابة، فهل سيأتي يوم تكون لجهاز حماية المستهلك إنجازاته الحقيقية بعيداً عن بعض الإغلاقات والضبوط التموينية التي لم تخفض أسعاراً، ولم تضبط أسواقاً؟!.
محتكرو الأسواق
مع انطلاق ما اصطلح على تسميتها الحملة التموينية، كانت هناك لقاءات وزارية مع كبار التجار الذين يصفهم السوريون بمحتكري الأسواق، وهم من أكل بيضة الأسواق وتقشيرتها على مدار عدة عقود علّهم يتنازلون عن جزء من أرباحهم لصالح ضبط الأسواق، إلا أن تلك المحاولة يبدو أنها باءت بالفشل وسط إصرارهم على امتصاص آخر قطرة دم للمستهلك، ورغم هذه الحملة غير المسبوقة، كما وصفها البعض، والتي أدت إلى تنظيم نحو 70 ضبطاً خلال عشرة أيام من انطلاقتها بحق عدد من الفعاليات التجارية المخالفة، وفق معاون مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عاصف حيدر الذي بيّن أن الضبوط شملت عدم الإعلان عن الأسعار، والإعلان والبيع بسعر زائد، والغش، مجملها لمحلات بيع مواد غذائية، مع تنظيم ضبوط بحق محطتي بنزين، وموزعي غاز منزلي بريف المحافظة بسبب التمنع عن البيع، مع حرمان محطة بنزين بريف السويداء من التزود بالمادة لمدة شهر بسبب البيع بسعر زائد، كما أشار إلى أن دوريات المديرية سحبت 12 عينة لمواد غذائية لتحليلها تبيّن أن 5 منها مخالفة للمواصفات، و3 موافقة، والباقي قيد التحليل، على أن يتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المخالفين، مبيّناً أن المديرية تعاملت مع 90 شكوى منذ بداية الشهر، ونظمت الضبوط اللازمة بحق المخالفة، ودعا حيدر المواطنين إلى الاتصال على الرقم 119 أو 320694 لتقديم الشكاوى ضد الفعاليات التجارية المخالفة على مدار الساعة، إلا أن أسعار السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية في السويداء وريفها مازالت على حالها، ولم ترخ هذه الحملة بأية ظلال يمكن أن تحمي القوة الشرائية للمواطنين من التهالك المتصاعد؟!.
أحد الموزعين بيّن “للبعث” أنه يقوم بمنح فواتير نظامية لأصحاب المحلات التجارية، ويحدد لهم نسب الأرباح، وسعر المبيع، وبالتالي يكون التفاوت بالأسعار بسيطاً جداً وفق هامش الربح المسموح به، لكن المشكلة، حسب الموزع نفسه، ليست هنا بل في المصدر، فالمتحكمون بالسلع الأساسية معروفون، وهم المدعومون من المصرف المركزي، ويأخذون دولارات مستورداتهم حسب سعر المصرف، ويبيعون حسب سعر السوق السوداء، فلماذا هذا الالتفاف على الحالة، يتساءل باعة المحلات، وطالب بأن تكون الحملة حقيقية وليست وهمية، وتبدأ “بالرؤوس الكبيرة” حسب وصفه.
وكان لرئيس غرفة التجارة والصناعة فيصل سيف رأي آخر، حيث بيّن وجود تجار جشعين منذ بداية الأزمة كباقي شرائح المجتمع، ولكن هم قلة قليلة، علماً أن النسبة العظمى من التجار قاموا خلال الأزمة بتأمين كافة احتياجات المواطن رغم الظروف الصعبة، والمغامرة برؤوس أموالهم، كما تساءل عن إغلاق المحلات التجارية، في الوقت الذي يجب محاسبة مستورد المادة أينما كان ومن كان.
محاكم تجارية
أصبحت عملية موازنة الأسعار في السوق أولى اهتمامات المواطن والمسؤولين على حد سواء بعد مخاوف كبيرة برزت بزيادات كبيرة أضيفت على تلك الأسعار مع زيادة الرواتب، فالمحلات التجارية اليوم لا تكشف عن سعر أية سلعة باستثناء البعض منها “لحماية ماء الوجه” أمام دوريات الرقابة التموينية، فالتسعير يكون غالباً عند السؤال، وبعد إجراء بعض العمليات الحسابية البسيطة على الآلة الحاسبة التي أصبحت أحد مستلزمات العمل عند كافة البائعين مهما اختلفت مراتبهم التجارية، طبعاً لا يمكن “المفاصلة” بعد ورقة فقر الحال التي يقدمها التاجر للزبون بأنه ضحية التجار والمستوردين، ولا علاقة له بالأرباح، ومعظم بيعه بخسارة جراء عدم استقرار الأسواق!.
وفي أسواق السويداء، الأسعار إجمالاً مرتفعة، والمطلوب تقديم شكوى لحماية المستهلك لحماية جيبه من موجات غلاء الأسعار غير المبرر في الكثير من الحالات، البعث خلال جولتها في الأسواق رصدت حالة عدم رضى بين المواطنين من موجات الغلاء الكبيرة التي تعاني منها الأسواق حالياً، ومخاوفهم من موجات أخرى ترافق عملية زيادة الرواتب، وطالب المواطنون التجار بتحكيم ضمائرهم عند عملية البيع، وأن تكون الأسعار “بنور الله” كما يقولون.
بالطرف الآخر بيّنت مجموعة من البائعين أن المشكلة بتجار الجملة، وأصحاب المعامل، والمستوردين، فهم من يضع الأسعار، ويكون هامش الربح الأكبر لهم، ويرفضون تقديم فواتير، مؤكدين أن مستوردي السلع الأساسية كالزيت، والسكر، والرز، مدعومون من المصرف المركزي، وتقدم لهم كافة التسهيلات والدولارات بسعر مدعوم، فلماذا التلاعب بأسعار السلع وزيادتها عند ارتفاع الدولار بالسوق السوداء؟!.
انهيار القوة الشرائية
عضو مجلس إدارة جمعية حماية المستهلك سمير فليحان بيّن فقدان الرقابة التموينية، والغياب العام لحماية المستهلك من كل أشكال الاحتكار والجشع والابتزاز السعري، الأمر الذي أدى إلى الإرباك التام للمؤسسات، وأصحاب قرار وزارة التموين، أو ما يسمى الجهاز الحمائي للمستهلك، حيث بدأ المستهلك يعتقد أن هناك مشاركة مؤسساتية في عملية التضخم السعري للسلع الاستهلاكية في السوق السورية بسبب عدم فعالية مؤسساتها، وعدم فعالية قراراتها البعيدة كل البعد عن معاناة المستهلك السوري، وما زاد الطين بلة التأثيرات السلبية الكبيرة للأزمة السورية، وسياسة الحصار الاقتصادي التي مازالت قائمة على الاقتصاد السوري، وما نتج عن ذلك من انهيار القوة الشرائية لليرة السورية خلال العقد الماضي إلى مستويات متدنية جداً، وانخفاض مستويات الدخل الحقيقي للمستهلكين السوريين إلى مستويات قياسية، الأمر الذي أدى بالمجمل إلى اختلالات اقتصادية لا حصر لها، منها ما كان موجوداً قبل الحرب السورية، ومنها ما أوجدته الأزمة أو الحرب السورية، مع الفقدان التام تقريباً للسياسات العلاجية لهذه الاختلالات.
وبيّن فليحان أهمية تطبيق نظام الفوترة الذي أعلنته وزارة المالية في عام 2014 دون أن تكون لديها القدرة والحزم على تطبيقه، إذ نجد أن أصحاب الاحتكارات الكبيرة هم الذين قوضوا تطبيق هذا النظام في السابق لأن ذلك يمس بمصالحهم، وبالتالي كيف تحقق مصلحة البلد مع المصالح الضيقة لبعض المستفيدين القلة، وخاصة أن الحكومة كانت تدعي أنها مع سياسة تطبيق اقتصاد السوق الاجتماعي، وإعادة النظر في المرجعية الحكومية لحماية المستهلك، وضرورة مشاركة مؤسسات المجتمع المحلي أو الأهلي في إدارتها، وضرورة تفعيل دور المحاكم التجارية التي مازالت معطلة، الأمر الذي يستدعي التسريع في إحداث محكمة في مديرية التموين مهمتها حماية المستهلك؟!.
وبيّن فليحان أن الجمعية شكّلت فريقاً من المتطوعين لدعم دوريات التموين، ما ساهم في تفعيل دورها، وتنظيم الضبوط، مطالباً بتعميم ثقافة الاستهلاك، بمعنى الإحجام عن المواد التي يرتفع سعرها إذا كانت غير ضرورية، والبحث عن الأماكن الأرخص، وأشار فليحان إلى ضرورة مراقبة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السلع قبل وصولها للمحافظات، بحيث تكون مزودة بالفواتير لتسهل مراقبة الأسعار في السوق.
احتكار القلة
يشير أحد التقارير إلى أن من أبرز نقاط الضعف عدم كفاءة سياسة مكافحة الاحتكار، وضعف التحكم بأسلوب السلع والمواد، وتواطؤ التجار المحتكرين، فالاقتصاديون المتابعون يؤكدون وجود احتكار في سورية وصفه البعض باحتكار ما يسمى القلة، وهناك احتكار بصفة شركات ومؤسسات هي الوحيدة التي تتحكم بالسوق بالعديد من السلع المستوردة، وعلى رأسها السلع الغذائية، وأهم مواد البناء والمستوردات العلنية، والدليل على ذلك أنه إذا أحصينا أسماء الشركات أو الأشخاص أو المستوردين لسلع: الرز، والشاي، وحديد البناء، والأخشاب، والاسمنت، فتلك تعود لأشخاص، سواء كانت بأسمائهم المباشرة أو غير المباشرة، حتى إن الاحتكار قد وصل إلى السلع التي كانت ومازالت تقدم كمساعدات عينية لمتضرري الحرب في سورية، ويمكن القول: إن قانون مكافحة الاحتكار الصادر في عام 2007 هو نفسه مشرع للاحتكار في سورية، إذ توجد مادة بالقانون تفيد بعدم إمكانية استئثار جهة واحدة بأكثر من 30% من سوق سلعة معينة، وهذا يعني أن القانون يسمح لأربع جهات أن تستفرد بسوق سلعة إذا كانت حصة كل جهة في السوق 25%، وإذا كان القانون الذي تطبقه المهنية يسمح باحتكار القلة.
صندوق دعم
إذاً الرقابة التموينية بشكلها ووضعها الحالي يبدو أنها غير قادرة على ضبط الأسواق، ويبدو أيضاً أنه أصبح من الضروري إحداث صندوق للدعم التمويني على غرار صناديق الدعم الزراعي، وغيرها، وضمان توزيع عادل لبعض السلع التي تخصص لها مليارات الليرات للدعم كالسكر، والزيت، كما أنها لا تصل بالاتجاه الصحيح، مع حديث دائم عن سرقة منظمة لهذه السلع من قبل التجار من بوابة صالات السورية للتجارة، وكذلك لابد من نشر الوعي الشرائي بين الناس، خاصة أن عدداً كبيراً من المواطنين يقبلون على السلع بعد ارتفاع ثمنها، ويتخلون عن سلعهم بعد انخفاض ثمنها!.
رفعت الديك