“أسباب جوهرية”
تعزو المؤسسات بمختلف اختصاصاتها وخاصة الإنشائية والخدمية تراجع مؤشر إنتاجيتها وتعثر تنفيذ مشاريعها لضعف الموارد المالية المطلوبة، وهو لا شك سبب مقنع، إلا أنه ليس السبب الرئيس والمباشر الذي أدى لهذا التراجع وانخفاض جودة التنفيذ، بل هناك جملة عوامل، نذكر منها على سبيل المثال: هجرة الخبرات والكفاءات والنزيف الحاصل في اليد العاملة، وتزايد تقادم الآليات وازدياد نسبة أعطالها، وضعف الدراسات الفنية وغياب الإشراف، ونقص السيولة وصعوبة الاستيراد، وضعف كفاءة استخدام الموارد الذاتية، وعدم الاستثمار الأمثل لرأس المال؛ ما أدى بالنتيجة إلى تفشي الفساد الإداري والمالي على نطاق أوسع في ضوء تراجع أداء وفاعلية الجهات الرقابية والإشرافية.
ولعل في النقص الواضح في مستلزمات الإنتاج وعدم استقرار الأسعار بفعل المضاربات الحاصلة في سعر الصرف، بالإضافة إلى فوضى التخطيط وغياب دراسات الجدوى الاقتصادية وتعدد الجهات الوصائية، أسباباً إضافية وربما جوهرية في جمود وتعطيل العمل الوظيفي للمؤسسات.
ما نود الإشارة إليه في ضوء ما تقدم هو أن مردود هذا العام الذي نودعه بعد ساعات قليلة لم يكن بالمستوى المأمول لجهة تنفيذ الخطط والبرامج والمشاريع الحيوية والتنموية والاستراتيجية، وهنا نؤكد مجدداً ضرورة إجراء مراجعة لمجمل الخطط والبرامج، والعمل على تذليل الصعوبات والمعوقات؛ ما يتطلب رؤية مغايرة في طبيعة التعاطي مع متطلبات البناء والنهوض، مع التأكيد وللمرة الألف على أهمية وضرورة خلق بيئة تشريعية وقانونية جديدة تتواءم وتتماهى مع متطلبات واحتياجات المرحلة الراهنة والمستقبلية، وخاصة بما يتعلق بالقطاع الصناعي والمنتج الوطني الضامن الحقيقي والوحيد لتحرير اقتصادنا الوطني من الانكماش والتراجع نتيجة الحصار الجائر المفروض على سورية. مختصر القول ونحن نودع عاماً ونستقبل عاماً جديداً، علينا التعامل مع المتغيرات والمتبدلات بواقعية وجدية أكثر، واجتراح الحلول المناسبة للمشكلات والأزمات القائمة والمستعصية، والاعتماد على الكفاءات وأهل الاختصاص، والخروج من طور الوعود المعسولة والشعارات الفضفاضة والرنانة إلى حيز التنفيذ والتطبيق الفعلي والميداني، ولعل الأهم هو الإسراع بإنجاز مشروع الإصلاح الإداري، والتشدد في محاربة كل أشكال الفساد والمفسدين، وتصحيح مسار عمل المؤسسات، وتعميق الشراكة بين العام والخاص بما يسهم في دفع عجلة الإنتاج عاجلاً وليس آجلاً.
معن الغادري