ترامب يدير ظهره للطبقة العاملة
ترجمة وإعداد: عائدة أسعد
على مدار قرن من الزمن تقوم الشركات الكبرى وول ستريت بتمويل الحزب الجمهوري في أمريكا، والرئيس دونالد ترامب يرغب بالإبقاء على الأموال متداولة، حتى أن توقيعه على التخفيض الضريبي منذ عامين ساعد الشركات الكبرى في تحقيق أرباح قياسية ووصول سوق الأوراق المالية إلى أعلى مستوياتها.
ولتحفيز المزيد من كرم الشركات في انتخابات عام 2020 يقترح ترامب المزيد من الهبات، فقد أخبر رئيس أركانه ميك مولفاني مجموعة من كبار المدراء التنفيذيين أن ترامب يريد تجاوز التخفيض الضريبي لعام 2017 كما يرغب أيضاً بتوسيع قاعدته للطبقة العاملة في التجمعات من خلال تغريداته زاعماً أنه يستعيد الطبقة العاملة الأمريكية عن طريق كبح الهجرة والتجارة.
ويتباهى معظم الجمهوريين الحاليين والمرشحين من الحزب الجمهوري بالقومية الاقتصادية لترامب كما فعل ستيفن بانون مؤخراً بقوله: “لقد حولنا الحزب الجمهوري إلى حزب من الطبقة العاملة”.
إن إبقاء الحزب الجمهوري على رأس المال الكبير مع تحويله إلى حزب الطبقة العاملة مناورة صعبة لا سيما في وقت يتشارك فيه رأس المال والعمالة في أكثر المنافسات الاقتصادية كثافة منذ أكثر من قرن لأن الكثير من الثروة و السلطة تذهب إلى الأعلى.
وقد دفعت أكبر الشركات الأمريكية متوسط معدل الضريبة الفيدرالية بنسبة 11.3% فقط على أرباحها في العام الماضي أي ما يقرب من نصف المعدل الرسمي بموجب قانون الضرائب الجديد، وهو أدنى معدل ضريبي فعال للشركات منذ أكثر من 80 عاماً. ومع ذلك لم يستحوذ العمال العاديين على أي شيء واستخدمت الشركات معظم مدخراتها الضريبية لإعادة شراء أسهمها وما تزال الأسرة الأمريكية النموذجية اليوم أكثر فقراً مما كانت عليه قبل الأزمة المالية في عام 2007.
وتسبب التخفيض الضريبي الضخم الذي قام به ترامب في زيادة عجز الميزانية الفيدرالية وحتى مع بلوغ أرباح الشركات ،قبل الضرائب، أعلى مستوياتها انخفضت عائدات ضريبة الشركات بنحو الثلث تحت المستويات المتوقعة وهذا يتطلب المزيد من الدولارات الفيدرالية من أجل الديون وترك القليل لاحتياجات العاملين في الخدمات العامة.
لقد أعلنت إدارة ترامب بالفعل عن تخفيضات بقيمة 4.5 مليار دولار في مخصصات قسائم الطعام التي تؤثر على ما يقدر بنحو عشرة آلاف عائلة والكثير منهم من الطبقة العاملة، واقترحت الإدارة أيضاً تخفيض إعانات الضمان الاجتماعي وهي ضربة محتملة لمئات الآلاف من العمال.
كما أدى التخفيض الضريبي إلى تحويل العبء الضريبي الإجمالي إلى العمال وحدوث الفجوة الأكبر خلال عقدين تقريباً، فقد بلغت الضرائب على العمال في عام 2018, 35% من إيرادات الضرائب الفيدرالية، بينما بلغت الضرائب على الشركات فقط 9%.
وربما يشير ترامب إلى أنه يستطيع التستر على إعادة التوزيع الهائل من الطبقة العاملة إلى النخبة من الشركات من خلال قوميته الاقتصادية المشوبة بكراهية الأجانب والعنصرية والتي استخدمها في عام 2016. وكما قال بانون يبدو أن تلك الصيغة قد عملت لصالح حزب المحافظين في بريطانيا.
ولكن سيكون الأمر صعباً هذه المرة، لأن القومية الاقتصادية لترامب قد أضرت بالعمال الأميركيين لا سيما في الولايات التي كانت حاسمة في فوزه عام 2016. كما عانت الصناعات التحويلية من ارتفاع الرسوم الجمركية لقطع الغيار والمواد المستوردة وتباطأ التوظيف بشكل حاد في ولاية بنسلفانيا وميشيغان وغيرها من الولايات التي فاز ترامب فيها، وكذلك في ولايات مثل مينيسوتا التي خسرها بفارق ضئيل.
لقد ألحقت الحروب التجارية التي شنّها ترامب الضرر أيضاً بأرياف أمريكا من خلال خفض الطلب على المنتجات الزراعية الأمريكية، ففي العام الماضي اشترت الصين حوالي 8.6 مليار دولار من السلع الزراعية والتي كانت 20 مليار دولار في عام 2016 ما يتطلب صفقة تجارية مبدئية جديدة للمزيد من المشتريات الصينية.
وفي الوقت الذي تستمر تكاليف الرعاية الصحية في الارتفاع هناك توقعات بانخفاض متوسط العمر بسبب ارتفاع عدد الوفيات الناجمة عن الانتحار والعقاقير الأفيونية، كما تظهر استطلاعات الرأي أن معظم الأميركيين ما زالوا غير راضين عن اتجاه البلاد.
يوماً بعد يوم تتجلى عواقب ما قدمه ترامب والجمهوريين للشركات وبات فشلهم في تحسين حياة الأميركيين العاملين العاديين أكثر وضوحاً، والحيل الوحيدة المتروكة لهم تؤجج الاستياء الاجتماعي والعرقي والتعصب وهذا كله لن يجعله يفوز بالانتخابات، كما أن مخلفات الخفض الضريبي تجعل من الصعب على ترامب والحزب الجمهوري أن يصوروا أنفسهم على أنهم معادون للمؤسسات.
وهذا بالطبع خلق فراغاً سياسياً كبيراً، ولكن في نفس الوقت هي فرصة تاريخية أمام الديمقراطيين كي يعملوا ما كان ينبغي عليهم فعله قبل سنوات لإنشاء تحالف متعدد الأعراق للطبقة العاملة والطبقة الوسطى والفقيرة لاستعادة الاقتصاد للغالبية العظمى وجعل الديمقراطية تعمل من أجل الجميع.