أخبارصحيفة البعث

كيف سترد أوروبا على نهضة الصين؟

 

حدثان حديثان في أوروبا رصدتهما وسائل الإعلام الصينية على نطاق واسع. أولاً مع إجراء الانتخابات العامة في المملكة المتحدة في 12 كانون الأول الجاري وسط مناخ سياسي متقلّب، أصبح البريكست بمثابة نتيجة حتمية. ثانياً مواجهة تقنية الجيل الخامس لعملاق التكنولوجيا الصيني “هواوي” للرفض في أوروبا، ويعد هذان الحدثان من المعالم البارزة في العلاقات بين الصين وأوروبا وبين آسيا – أوروبا في القرن الحادي والعشرين.
قيل منذ أكثر من 500 عام كانت “الشمس لا تغرب عن الامبراطورية البريطانية”، فقد غزت الامبراطورية آسيا بقوة شركة الهند الشرقية، ونهبت ثروتها الهائلة، وأصبحت بعض مناطق آسيا مستعمرات بريطانية، والقوة الرئيسية للحضارة الغربية للتوسع نحو الشرق خلال القرون الخمسة الماضية.
لم يقتصر التوسع الغربي على المجال الاقتصادي، ولكنه كان شاملاً، وحينها لم تتمكن جميع الدول الآسيوية تقريباً من التخلص من آثارها. على الرغم من تآكل قوتها الامبريالية، وقطع المملكة المتحدة صلاتها بعملية التكامل الأوروبي، فإن تأثير بريطانيا على آسيا لا يزال واسع الانتشار.
حتى اليوم، لا تزال النزاعات العرقية التي تلوح في الأفق والنزاعات الحدودية في البلدان الآسيوية مرتبطة بشكل وثيق بالحكم الاستعماري البريطاني أو الأوروبي، والأهم من ذلك أن أفكار حل هذه المشكلات لم تنشأ بعد من العقلية التي عفا عليها الزمن.
مع دخول تقنية “الجيل الخامس” من هواوي إلى أوروبا، تشعر القارة بأن الصين على الأبواب. نتيجة ذلك تصبح بعض الدول متوترة بينما تتردد بعضها في قبول حقيقة أن الشركات الصينية أصبحت صانعة للقواعد في بعض المناطق، وهي ليست مستعدة لتبني القواعد الجديدة.
يمثّل تطور “هواوي” صعود الصين وصعود آسيا، وهو ما يعكس قاعدة جديدة للعولمة في بداية القرن الحادي والعشرين، وتراجعاً للحضارات الغربية التي تمثّلها المملكة المتحدة والظهور المتزامن لآسيا التي تمثّلها الصين. لقد بدأ هذا التغيير للتو، وسيستمر طوال القرن الحادي والعشرين، ما سيؤدي إلى تغييرات كبيرة في العولمة. خلال تلك العملية ستواجه أوروبا كمهد للحضارة الغربية تحدياً كبيراً، فكيفية تعامل أوروبا مع صعود الصين وآسيا مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتكامل الأوروبي.
يحاول المحافظون الرد على ذلك من خلال إغلاق الباب، وهو أمر واضح بالفعل بين بعض القوى الأوروبية التقليدية. لكن التحدي الناشئ عن نهوض الصين يمكن أن يكون في الواقع حافزاً لأوروبا لزيادة قدرتها التنافسية، وتشجيع الأوروبيين على اتباع خريطة الطريق التي صممها رواد الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، إذا أرادت أوروبا تعزيز قدرتها التنافسية وتنشيط روح الابتكار لديها، فعليها أن تفهم بشكل صحيح التغييرات الجديدة التي حدثت خلال العولمة، فإغلاق الباب لن يؤدي إلا إلى طريق مسدود، فمنع تطوير الآخرين يمكن أن يؤدي إلى تأخير مؤقت ليس إلا، وهذا ما أظهر تاريخ الصين وآسيا وأوروبا، وهذا هو السبب أيضاً في انتظار الصين لمعرفة كيفية تعامل أوروبا مع تقنيات الجيل الخامس من “هواوي”.
تحتاج الصين وآسيا الصاعدة إلى أوروبا كقطب حاسم في العالم متعدد الأقطاب، فيمكن لأوروبا أن تلعب دوراً حيوياً للغاية في التغيير المستقبلي للنظام العالمي، والأهم من ذلك يحتاج الانفتاح على أوروبا والصين إلى تشكيل بيئة تفاعلية متبادلة المنفعة.
عناية ناصر