آليات تطويرها واستمرارها المشروعات الصغيرة والمتوسطة.. أولوية تنموية داعمة للاقتصاد وحاضنة للطاقات الوطنية البشرية والمادية
فتحت الآفاق من جديد أمام المشروعات الصغيرة والمتوسطة في سورية، فبعد ارتطامها بمعوقات مختلفة أعاقت تقدمها، عاد الأمل ليطرق أبوابها لتصبح من أولويات العمل الحكومي، حيث بدأ البحث عن الآليات التي تساهم في تطويرها واستمرارها، فبعد أن دخلت في جدل طويل منذ عام 2003 بين مؤيد لها ومعارض، توحدت الرؤى عن الدور التنموي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة كحاضنة للطاقات الوطنية البشرية والمادية تحقق أعلى درجات المنفعة الاقتصادية والاجتماعية، ومساهمتها في النمو الاقتصادي لزيادة حجم الابتكار والإبداع في المشروعات، وزيادة فرص نجاحها ليبدأ العمل بوضعها على الطريق الصحيح من خلال دراسة واقعها في سورية، وتحديد المشكلات التي تواجه تطورها والارتقاء بها.
تقرير الهيئة
النسبة الأكبر في المشروعات الصغيرة والمتوسطة حالياً في سورية هي المشروعات الزراعية، وتشكّل 41% بسبب سهولة إطلاقها قياساً ببقية الأنواع ضمن الظروف الحالية، وتأتي المشروعات الصناعية في المرتبة التالية 30% من الإجمالي، وهذا المؤشر يتنامى بشكل سريع نسبياً، ففي شهر حزيران من عام 2018 كانت نسبة المشروعات الصناعية 18% فقط، أما حصة المشروعات الخدمية فهي 17%، وأخيراً المشروعات التجارية 12%، وتتجلى الأهمية التنموية للمشروعات بأنها قابلة للانتشار في مختلف المناطق داخل المدن والأرياف، ما يضمن عدالة أكبر في التنمية المتوازية على امتداد مساحة البلد، وتخلق المشروعات كماً كبيراً من فرص العمل، ما يشكّل حلاً لمشكلة البطالة في المناطق التي تتواجد فيها المشروعات، وتتميز هذه المشروعات بعدم حاجتها لرأس المال الكبير النادر نسبياً في سورية قياساً بعنصر العمل ذي الوفرة النسبية في مختلف المناطق السورية، وبمعنى آخر كثافة العمل تساوي ارتفاع عنصر العمل بالنسبة لرأس المال، وتلعب المشروعات دوراً مهماً في حل مشكلة البطالة، إذ ينظر إليها كإحدى أهم أدوية هذا المرض الخطير، وتعتبر دراسة هيئة المشروعات أنه مع خلق كل 1000 مشروع صغير سيتراجع معدل البطالة بمقدار 1%، ومع كل زيادة في التكوين الرأسمالي للمشروعات بمقدار واحد مليون دولار، ويزداد ناتج المحلي الإجمالي 0.1%، ووفق رؤية هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، سيعمل 60% من قوة العمل السورية في المشروعات لتحقيق الاستفادة الحقيقية منها، ولحد مشكلة البطالة المتزايدة، كما توجد علاقة إيجابية بين المشروعات، وزيادة دخل الفئة المستهدفة بنسبة 0.72، وتشكّل علاقة إيجابية بين تمويل المشروعات والمستوى الصحي للأسرة بنسبة 0.75، إضافة إلى علاقة إيجابية بين المشروعات ومستوى سكن الأسرة بنسبة 0.85.
مبادىء العمل
تحتاج المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى التعاون والتنسيق المستمر مع كافة الجهات المعنية لتقييم وتطوير مساهمة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد الوطني، وبحسب مدير عام هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة إيهاب اسمندر، لابد من بناء علاقات شراكة استراتيجية قائمة على الثقة المتبادلة بين القطاع العام والقطاع الخاص، وخلق وعي بأهمية المشروعات ودورها الأساسي في تطوير الاقتصاد من خلال الاستفادة من تجارب الدول الأخرى والمنظمات الدولية في مجال دعم المشروعات، وإيجاد بيئة أعمال تمكينية للمشروعات، إلى جانب توفير البيئة التشريعية والإدارية المتكاملة المحفزة للمشروعات لانتقالها إلى القطاع المنظم، كما تحتاج لتكوين قاعدة بيانات شاملة للمشروعات بهدف إيجاد معلومات وبيانات إحصائية دقيقة لقطاع المشروعات تسهم باتخاذ القرار لتقديم الدعم المناسب لهذا القطاع، وتطوير عمل الدراسات والبحوث المتعلقة بالقطاع بشكل أساسي عبر التطوير المستمر للمرصد الوطني للمشروعات، وسياسات دعم المشروعات لتعزيز تنافسية الإنتاج المحلي، وإحداث شبكة وطنية لحاضنات أعمال المشروعات، مع إقامة تجمعات حرفية وصناعية، ومراكز تدريبية للمشروعات، والعمل على زيادة إنتاجية المشروعات القائمة، وتحسين أدائها، وزيادة صادراتها، وتنظيم وضبط سوق تمويل المشروعات، وتسهيل نفاذها إلى الخدمات المالية.
عوامل بيئية
المشكلات المالية تتجسد في الاعتماد على المدخرات العائلية، والاقتراض العائلي غير الكافي والمنتظم، أي أن 88% من المشروعات في سورية تعتمد على المدخرات الشخصية، والقروض العائلية، بالإضافة إلى ضعف الضمانات المالية، واللجوء إلى الوسطاء والمرابين بأسعار باهظة ترفع تكاليف الإنتاج، وإحجام البنوك عن التعامل معها، حيث إن 7% يمكن أن تلبي متطلبات البنوك، وبحسب صندوق النقد العربي تبلغ حصة المشروعات من إجمالي التسهيلات للقطاع المصرفي في المتوسط 9% في الدول العربية، معنى ذلك أن سورية تعاني من فجوة تتجاوز 100% لتصل للمتوسط العربي، وأكثر من 450% لتصل إلى متوسط البلدان متوسطة الدخل، وتشكّل المشروعات حالياً 99% من المنشآت السورية، ويبيّن تقرير صندوق النقد العربي حصة المشروعات الائتمانية، حيث تعاني سورية من ضعف كبير في حصة المشروعات من إجمالي تسهيلات 4%، وتظهر المشكلة أكبر إذا قارنا سورية مع دول عربية أخرى، وبرأي اسمندر المشكلات الإدارية تتجلى في الملكية الفردية أو العائلية، حيث يربط وجود المنشأة بحياة أصحابها واستقرارهم العائلي، وخلط الذمم المالية للمنشأة مع الذمة المالية لأصحابها، ما يسبب عدم القدرة على التنبؤ والتخطيط، وعدم دقة البيانات اللازمة لذلك في حالة التوسع، وهناك ضعف الإعداد العلمي والمهني والإداري لرب العمل، وضعف قدرته على الأخذ بأسباب التقدم والتطور، فالمشكلات المحاسبية تنتج عن ندرة البيانات المالية والمحاسبية الدقيقة، وتعدد هذه البيانات حسب الغرض، وتأخر إعداد هذه البيانات على النحو يفيد الغرض من وجودها، ناهيك عن عدم وجود دفاتر سجلات.
مشكلات تسويقية
قلة الأماكن المخصصة لعرض المنتجات، وعدد قنوات التوزيع، وعدم القدرة على مواكبة تقلبات الطلب الشديد، تؤثر على كفاءة ووجود المنشأة وافتقارها إلى المواصفات والتصميمات، وعدم القدرة على تنفيذها في ظل غياب الرقابة على الجودة، وهنا يؤكد اسمندر على عدم وجود حماية لهذه المنشآت من الدولة، والقدرة على مواكبة التطور المتلاحق في ذوق ورغبات المستهلكين، بالإضافة لانخفاض القدرة التفاوضية على الأسعار، حيث تعاني 72% من المشروعات من صعوبات التسويق، إلى جانب المشكلات الإنتاجية كمشكلة الحصول على المادة الخام، والأولية المناسبة، ما يؤدي إلى انخفاض مستوى الجودة، واحتكار الوسطاء وتجار الجملة، وفرض سلع محملة عند الشراء بالأجل، ويلاحظ انخفاض مستوى الخدمات والمرافق المتاحة أمام هذا القطاع، وعدم القدرة على استقطاب العمالة المدربة والمؤهلة، والاحتفاظ بها بنسبة 53%، كما تواجه هذه الصعوبة انخفاض المستوى الفني، وذلك يؤدي إلى صعوبة الوصول لمستوى تنافسي معقول بنسبة 45% لديها هذه المشكلة.
الكوادر الكفء
لا يوجد ملاك عددي ونظام داخلي للهيئة، الأمر الذي يؤثر على قانونية وضع العاملين فيها، وعدم القدرة على تعيين أو نقل أي عامل جديد إليها، مع نقص الكوادر، وخاصة في المحافظات، ويشير اسمندر إلى تسرب الكوادر الكفء خلال الظروف الراهنة، وهذا يتطلب بناء كادر عامل مدرب يستطيع تنفيذ المهام بشكل يخدم هذا القطاع، فمقرات الهيئة في باقي الفروع بحالة فنية سيئة، ومعظمها مستأجر ولا يفي بالغرض، وتتعدد المرجعيات لهذا القطاع في الجهات العامة، حيث تعمل كل جهة وفق الآليات التي تضعها برؤية لا تتناسب مع متطلبات وعمل ونشاط الهيئة، ما يؤدي إلى خلل في البنية التنظيمية، فمعظم قوانين الهيئات تعمل على تحفيز العاملين، والهيئة عملها تقليدي لا يستهدف التطوير والابتكار، أو جذب عمالة لها.
ثقافة الريادة
يمكننا الاستفادة من تجارب دول عديدة عملت على تطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة كالتجربة الايطالية، فقد عملت الحكومة على دعم وتطوير وسائل الإنتاج، ودعم البحث العلمي، ودعم العمال المسرّحين لبدء أعمال مستقلة، وهناك العديد من التجارب الأخرى كالماليزية التي خصت هذه المشروعات بمعاملة فضلية، الباحث الاقتصادي فادي عياش يرى أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة في سورية نالت اهتمام الحكومة من خلال إنشاء هيئة متخصصة، وضمان مخاطر التمويل، وإيجاد صندوق الدعم لها، لكنها لم تفعل بالشكل المطلوب، ووصل دعم رئاسة مجلس الوزراء لخطة دعم فوائد القروض للمشروعات بقيمة عشرين مليار ليرة كخطوات تشجيعية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتسهيل الإجراءات لها، ولكن لم تكن النتائج على قدر الطموح، ولم تكن بالشكل الكافي، فنحن نحتاج إلى نشر ثقافة عمل المشروعات واستبدالها بثقافة الوظيفة، كما نحتاج إلى تشجيع ريادة الأعمال والدعم المالي والتمويل لأنه عصب المشروعات الاقتصادية، وحجر زاوية، كما يجب خلق دعم فني لوجستي كحضانة الأعمال بغرفة التجارة، وإنشاء حاضنات مهنية للتأهيل والتدريب، وجعل المشروعات تتشابك كوحدات متكاملة مع المشروعات الكبيرة كسلسلة تحولها لقيمة مضافة، مع ضمان الاستمرارية والاستدامة، لذلك لابد أن نعتمد على التشبيك أثناء إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ويتابع عياش: لابد من وجود تشريعات تساعد على حماية المنتج من المستوردات والمشروعات الكبيرة.
ميادة حسن