الاتفاق الأمريكي الصيني حول التجارة والاقتصاد
ريا خوري
التغييرات الهامة التي شهدتها الولايات منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أوضحت أهمية التحولات السياسية والاقتصادية على مستوى السياسات الاستراتيجية الأمريكية الخارجية في العالم .
من تلك التحولات والمتغيرات ما يخص الداخل الأمريكي في مجال التأمين الصحي ، أما ما يخص الخارج الأمريكي فهو كل ما يتعلق بالمكسيك وبناء الجدار العازل على طول الحدود المكسيكية الأمريكية. وكذلك موضوع المهاجرين الذي احتل مكانة كبيرة في السياسة الأمريكية في عهد إدارة ترامب، حيث يستند ترامب في رؤيته ومنهجه السياسي على دعم الاقتصاد الأمريكي والحد من منافسة قوى وأطراف خارجية في الأسواق الأمريكية، وتأمين فرص عمل كبيرة للمواطنين الأمريكيين، وفرض رسوم على الواردات إلى الولايات المتحدة وتحديداً الحديد والصلب.
هذه الإجراءات الحمائية تتعارض بقوة مع ما تنطوي عليها الديمقراطية الليبرالية، سواء كانت هذه الحرية في المجال السياسي أو الاقتصادي. فالرئيس ترامب جاء من خلفية تجارية حكمها منطق الربح والخسارة، وهو صدى للكارتيلات والمجمعات الصناعية الكبرى، والصناعات الحربية والشركات عابرة القارات والقوميات فكانت قراراته تسير وفق ذلك المنظور لحماية الولايات المتحدة . فقد أوجد قرارات وتشريعات حتى على دول الاتحاد الأوروبي حلفاءه في حلف شمال الأطلسي . كما زاد من رسوم الجمارك على الواردات من تلك الدول وانعكس ذلك بالرد المماثل بفرض عقوبات على البضائع والمنتجات الأمريكية، وهذا أسهم في إيجاد حرب تجارية خفية بينها وبين الولايات المتحدة. وتجلَّت تلك الحروب التجارية بشكلها الخطير بين الصين والولايات المتحدة. وجميعنا يعرف أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر نفسها القطب الأوحد في العالم وتملك القوة العسكرية والسياسية الضخمة، لكن الصين تمثل قوة اقتصادية عظمى في العالم، ومنتجاتها تغزو كل دول العالم بما فيها أمريكا. إنَّ هذا الصراع الخفي يؤكد ما استشعرت به الولايات المتحدة بأن الصين تسعى إلى أن تحتل مرتبة القطب الأعظم اقتصادياً خلال سنوات قليلة قادمة. وهذا ما أقلق الولايات المتحدة من تسارع نمو الاقتصاد الصيني وهو بالتأكيد منافس للولايات المتحدة داخل أسواقها. كما إنَّ الصراع الخفي أحياناً والظاهر أحياناً أخرى بين الصين والولايات المتحدة يؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد العالمي لما لاقتصاد الدولتين تأثير في دول العالم . هذا الدور الاقتصادي المتسارع انعكس سلباً على العديد من الدول الذي بدأت اقتصاداتها وأسواقها الناشئة التي شهدت نوعاً من التباطؤ. وهذا يمثِّل خطورة كبيرة فقد سعت الإدارة الأمريكية التي يديرها ترامب خلال السنتين الماضيتين إلى الضغط المتزايد على الصين، بخاصة في مجال السياسات المتعلقة بحماية الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا المتطورة إلى الشركات الصينية المتخصصة في هذا المجال. وهذا يعني من وجهة نظر الولايات المتحدة الأمريكية أن جمهورية الصين الشعبية تقوم بممارسات اقتصادية وتجارية غير عادلة تستوجب الرد القاسي والعقاب، وهذا ما دفع الولايات المتحدة لاتخاذ قرارات بزيادة الرسوم على واردات إحداهما للأخرى، وهو الذي أدى إلى توتير العلاقة بينهما وتصعيد الحرب التجارية بينهما. فالولايات المتحدة فرضت رسوماً نسبتها 15% على الواردات الصينية والتي وصلت أعلى من 125 مليار دولار سنوياً تشمل الأحذية والهواتف الذكية ولوازمها، وغيرها من المنتجات. أمّا الصين فقد فرضت مزيداً من الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية التي وصلت إلى 15% وتحديداً منذ الخامس عشر من أيلول 2019 . وهذا ما دفع الولايات المتحدة لاتخاذ المزيد من الرسوم على الواردات الصينية حيث وصلت إلى 15 % على السلع الجديدة مثل الملابس وألعاب الأطفال وأجهزة الكمبيوتر ومستلزماتها.
إنَّ هذا التصعيد والتوتر الكبيرين دفع الطرفين للتوجه نحو بذل جهود لنزع فتيل الحرب التجارية بين الدولتين من خلال التوصل إلى حل حتى ولو كان جزئياً. وهو ما جرى بالفعل في شهر تشرين الأول 2019، حيث تم اتفاق أولي جزئي يشمل السلع الزراعية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك يشمل بعض جوانب الحماية الفكرية. هذا الاتفاق يعمل على تفادي أو على الأقل تأجيل تنفيذ تهديد الولايات المتحدة بزيادة أكبر في الرسوم الجمركية. وكان الرئيس الأمريكي قد صرَّح للصحفيين عن أنَّ الصين والولايات المتحدة قد اقتربا من إنهاء الحرب التجارية السرية والعلنية. هذا الاتفاق لاقى ترحيباً كبيراً من الدول والمؤسسات والشركات التجارية الضخمة في العديد من دول العالم، وخصوصاً التبادل التجاري الضروري مثل السلع الطبية.
إنّ تلك الحرب التجارية التي باتت حرباً باردة بين عملاقين اقتصاديين في العالم قد أوجدت العديد من المتغيرات السياسية بخاصة أنه إذا ما استمرت المنافسات قد تخلق ردود فعل سياسية مثل حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان داخل الصين، وطبيعة نظامها السياسي (نظام الاقتصاد الاجتماعي ). مع العلم أنَّ الصين تمثل قوة اقتصادية وتجارية عظمى في القارة الآسيوية يمكن أن تهدد بحدوث تغييرات سياسية واقتصادية إستراتيجية كبرى. ومن الممكن أيضاً أن تهدد مستقبل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وقد يمكن أن يكون من الصعب أن تتوقف دول الاتحاد الأوروبي تعاملاتها الاقتصادية والتجارية مع الصين.