اقتصادصحيفة البعث

انضمام ثلاث شركات.. والرغبة متزايدة استصدار قانون للشركات العامة المساهمة وتعديل بعض القوانين القديمة مفتاح التحول

 

تُعدّ هيئة الأوراق المالية السورية مرآة الاقتصاد الوطني وتطوراته وترصد خطه البياني وتقلباته على كافة مستوياته، حيث يعكس عملها وجهدها أرض الواقع والحراك الاقتصادي ولاسيما القطاع المالي منه وعلى الأخص قطاع المؤسسات المالية من مصارف وشركات الوساطة والشركات المساهمة العامة التي تجمع أموالها عبر الاكتتاب العام، إضافة إلى سوق دمشق للأوراق المالية، ولكن كون هذه القطاعات تتأثر بشكل مباشر بالحالة العامة الاقتصادية والسياسية والعسكرية فإذا أصابها جمود اقتصر عمل الهيئة على الصعيد التنظيمي كتجديد أو تعديل القوانين والقرارات الناظمة لعملها وعمل الشركات المشرفة عليها، لكن وعلى الرغم من الظروف القاهرة لم تتوقف الأنشطة، فبورصة دمشق لم تغلق واستمر العمل على وتيرة هادئة، ومع نهاية العام الحالي لابد من نظرة استقرائية لواقعها عبر هيئة الأوراق المالية.

توجه مرغوب
بما أن عمل ونشاط الهيئة يرتبط بالنشاط الاقتصادي الحقيقي ولا تقوم بنشاط منفرد وإنما تعكس النشاط الاقتصادي بالمجمل، فقد بيّن مدير عام الهيئة الدكتور عابد فضلية أن العام الحالي كان خجولاً نوعاً ما لجهة الخطوات الاستثمارية والانمائية والمالية، وذلك نتيجة المرحلة القاسية من الحرب الاقتصادية على سورية، وعلى الرغم من ذلك كانت هناك بوادر في العامين السابقين ترسخت خلال هذا العام، حيث انضمت ثلاث شركات جديدة مساهمة عامة إلى سوق دمشق للأوراق المالية، معتبراً إياها نسبة جيدة ودليلاً على التعافي الاقتصادي بالنسبة للعدد الكلي البالغ 24 شركة مدرجة، بالتوازي مع ارتفاع الوعي والرغبة، سواء على صعيد الأفراد أو الشركات الرسمية، لجهة تأسيس شركات مساهمة عامة، وظهور شرائح جديدة تعي أهمية الاستثمار في الأسهم، ولاسيما خلال مرحلة التغيير والتضخم الحاصل في سعر الصرف بغية حفظ قيمة الأموال والمدخرات، ولاسيما أن الميل إلى الاكتناز سواء الذهب أو القطع الأجنبي أصبح غير مرغوب نتيجة التذبذب وغياب الاستقرار في أسعاره، وبالتالي فإن الأجدى زجّ الأموال في الاقتصاد، ولاسيما في الاكتتاب الجديد على الأسهم مقارنة بشراء الأسهم الموجودة كونه يعكس زيادة في الاقتصاد الكلي.

لم يقنع أحداً..
وعلى الرغم من تأكيده على ارتفاع نسب الوعي والرغبة، إلا أن أرض الواقع لم تشهد تطوراً ملحوظاً في هذا المجال، فتصدّر الوضع القانوني والثقافة الإرثية أبرز المعوقات -حسب فضلية-، إذ بيّن أن في سورية 52 شركة مساهمة عامة ومنها شركات قديمة ورأس مالها لا يتعدى عدة ملايين، حيث يعتبر هذا العدد قليلاً ولا يتناسب مع حجم الاقتصاد وتطور الفكر المؤسسي السوري، عازياً السبب إلى استمرار العقلية الفردية للإدارة وسيطرة هاجس الملكية الخاصة، كتوريث الشركات للأبناء والأحفاد لضمان استمرار الشركات بأسماء العائلة، ووجود ميل للإدارة بأنفسهم، وفي حال التفكير بالارتقاء بشكل الشركات أو المؤسسات يكون الخيار باتجاه شركة تضامنية أو شركات خاصة كونها تحافظ على اسم وإدارة الشركة، ورغم اعتباره فكراً إدارياً متطوراً إلا أنه غير كافٍ وتطوره باتجاه التحول إلى شركات مساهمة عامة ليس سهلاً، ولذلك أكد فضلية على مواكبة التطور الاقتصادي بفكر إداري موازٍ، ودعمه بقانون واضح غير مكلف، إذ أشار إلى أن القانون رقم 61 لعام 2007 الخاص بتشجيع الانتقال إلى شركات مساهمة عامة أو خاصة لم ينجح في إقناع أحد في ذاك الحين، كون التحول وفق نص القانون كان مكلفاً ويكشف النشاط الاقتصادي الحقيقي للشركة، وبالتالي تخوف العديد من الضرائب أبعد قرار التحول عن معظم الشركات، فلابد من خطوة باتجاه إنعاش قانون التحول وتشجيع تأسيس شركات مساهمة عامة جديدة ومحاربة موانع ومخاوف التحول.

الاستثمار الفردي
لا شك أن نصّ مسودة القانون الجديد قيد التطوير، ويُتداول باهتمام كبير على طاولة وزارة المالية من كافة الجهات الحكومية التي تشجع هذا التوجه، ولكن فضلية يرى أن إنجاز القانون يحتاج مناخاً مناسباً لإصداره والعمل به سواء لجهة الظروف المحلية أو الخارجية. وكشف عن بعض مضمونها كالمعايير التشجيعية، والمحفزات كالإعفاء الضريبي والتمييز المناطقي، وذلك بغية مراعاة وضع المناطق البعيدة أو تلك التي طالها الدمار بمزايا خاصة، كما شملت المسودة دعم القطاعات الاستراتيجية التي تحظى بالأولوية ضمن توجهات الحكومة واحتياجات الاقتصاد، وبالتالي يضمن القانون المرتقب المتوقع صدوره قريباً، تأسيس مزيد من الشركات المساهمة العامة والخاصة والتي تنعكس على المستثمرين المحليين والخارجيين كونها تخضع لمعايير الحوكمة، وتوفر جواً من الارتياح للاستثمار فيها. وشدّد على الجانب الاجتماعي لهذه الشركات كونها تعطي الفرصة للأفراد العاديين في استثمار مدخراتهم وإشراك شريحة واسعة في الاستثمار، فتزيد الأصول المالية والأرباح التي تعدّ دخلاً إضافياً لعشرات الآلاف من الأفراد، والذي سيدخل دورة الإنتاج وينعكس نشاطاً ملحوظاً في دورة الاقتصاد المحلي، ويحقق بالضرورة مزيداً من العدالة في توزيع الدخل القومي، والذي ستختلف تركيبته وفق هذا الشكل القانوني للشركات.

ضمانة لحقوقهم
ويبقى جانب ذو أهمية بالغة تسعى الهيئة إلى ترسيخه في نشر ثقافة الاستثمار في الأسهم، هو حماية ورعاية المستثمرين الصغار والجانب الضعيف أو البعيد عن موقع اتخاذ القرار في الشركات المساهمة العامة وصون أموالهم، عبر اعتماد المحاسبين القانونيين في قائمة الهيئة، وذلك لما لديها من خصوصية في معايير الدقة والشفافية ومعايير خاصة بالحوكمة، لذلك يتمّ انتقاء واعتماد محاسبين ممن تنطبق عليهم هذه الصفات، وبالتالي تساهم الهيئة في تشجيع المستثمرين للاستثمار في هذه الشركات المحمية من جهات رقابية، وتشجّع على تأسيسها، كما تهتم بتحريك المدخرات العقيمة لدى الأفراد عبر تشجيعهم لاستثمار هذه الكتل المالية البسيطة عبر شراء الأسهم، وتحريك المدخرات الوطنية لجهة استثمارها في عروق الاقتصاد للاستفادة منها وحفظ قيمتها اقتصادياً.

انتقال نوعي
وفي فنيات عمل الهيئة تبرز ضرورة تطوير التشريعات الناظمة لعملها ولسوق دمشق للأوراق المالية بحسب متطلبات الواقع، حيث تخضع لضوابط منذ ما يقارب خمس عشرة سنة، بالتوازي مع تكثيف دورات تدريب وتأهيل تمثل رؤية الهيئة للعام القادم، إذ تسعى الهيئة لإقامة الدورات التدريبية سواء لموظفي الشركات أو طلاب الجامعات. وأكد فضلية أن الانتقال إلى منطقة يعفور لا يعتبر انتقالاً فيزيائياً، بل سترافقه تجهيزات وخطط نوعية وتغييرات تتوافق مع طبيعة المنطقة التي تعتبر منطقة مالية، وتنشغل الهيئة حالياً باستصدار مناقصات لشراء كافة التجهيزات المطلوبة.
فاتن شنان