أُمنيات في الموسم الجديد
تمّام علي بركات
تبدأ المحطات التلفزيونية عموما، ومع بداية كل موسم جديد يعقب نهاية موسم مضى، بالعمل على صناعة العديد من البرامج التلفزيونية التي تقدمها تلك القنوات لمتابعيها، واضعة نصب تفكيرها، مجموعة من الأسئلة والقراءات التي يجب أن تضعها أي قناة تلفزيونية، عند نيتها صناعة برنامج ما ستقدمه للجمهور، والبرامج الحوارية منها بشكل خاص، وهذه الأسئلة تتلخص عموما بما يلي: ماذا نريد أن تقول في هذا البرنامج؟ وما هي الجدوى مما ستقول فيه؟ وكيف ولمن ستتوجه؟ وماهي المواضيع التي ستطرحها؟ ثم من هم الضيوف المختصون الذين يجب استقبالهم ومحاورتهم وفق الموضوع المراد تقديمه؟ وهل سيحقق البرنامج مشاهدة عالية، أم أنه سيمر مرور الكرام على المشاهدين؟ أولئك الذين يضعون في جعبتهم، أكثر من مئة خَيّار مختلف على الأقل، لبرامج منافسة يشاهدونها، وما من شيء عليهم فعله، سوى الضغط على جهاز التحكم، ليقوموا بإعدام ذاك البرنامج أو غيره، في حال لم يشدّهم بما يقدمه، والأهم هو الكيفية التي سيتم تقديم تلك البرامج لتجذب المتفرجين من كل أطراف انتباههم، بغية المتابعة والتفاعل، خصوصا بوجود أدوات رصد المتابعة والتفاعل، كمنصات التواصل الاجتماعي، الذي بات عدم وضعها في الحسبان، هو ضرب من ضروب العبث والانفصال عن الواقع، فهي صاحبة التأثير الأقوى الآن، شئنا ذلك أم أبينا.
في حال توفرت الأجوبة العملية والفنية أيضا على هذه الأسئلة، يصار إلى البدء بتنفيذ الفكرة إلى واقع، وتبقى هذه الأسئلة مستمرة وحاضرة تشغل بال المعدّ والمقدم على حد سواء، في كل حلقة يتم عرضها من البرنامج نفسه، وعندما يصل أحد الأسئلة السابقة إلى حائط مسدود بحيث لا جواب أو لا رد عملي وفني عليه، يصبح الاستمرار في عرض نفس البرنامج بلا فائدة حقيقة، ربما يحقق شيئا من المتعة الساخرة في حال كان هذا نهجه –ساخر- ولكن هذه المتعة ستكون مجانية وبلا قيمة عند المتابعين، إن لم يتم توظيفها بالشكل الصحيح لتقديم مقولة البرنامج، هذا عدا عن كون الاستمرار في تقديم برامج مختلفة، لا تضع ما سبق وذكرناه في حسبانها، هو هدرا للوقت والجهد المبذول وللمال في طبيعة الحال.
وفي حال غابت الأجوبة العملية عن تلك الأسئلة، التي يجب كما أسلفنا، أن يتم طرحها عند التفكير في صناعة أي برنامج تلفزيوني، سُيقدم وبشكل أسبوعي للمشاهدين، فإن الفشل والنسيان، هو المصير الذي سيلقاه حتماً، والدليل على ذلك، ومن واقعنا المحلي، أن العديد من البرامج التلفزيونية التي قدمتها قنواتنا المحلية ومنذ عقود طويلة، منها ما بقي راسخا في وجدان الجمهور حتى اللحظة، ومنها ما شهد المصير التراجيدي، ذاك الذي أحالها إلى العدم.
اليوم وبوجود مئات القنوات الفضائية، التي تسعى إلى تحقيق نسب المشاهدة الأعلى لما تقدمه من برامج على شاشتها، لن تكون المنافسة سهلة أبدا بالنسبة لقنواتنا المحلية، لذا فإننا نأمل من القيمين عليها والمشتغلين فيها من معدّين ومخرجين ومقدّمين، وضع تلك الأسئلة قبل الشروع في صناعة أي برنامج سيتم تقديمه للجمهور المحلي، الذي عليها خطب وده، وكسب اهتمامه، قبل أن تفعل هذا قنوات ومحطات، لها أجندتها الخاصة بما تقدمه، ولها رسائلها التي تريد أن تزرعها في عقول المشاهدين، الذين تعمل على جذبهم بأي طريقة، وللأسف فإنها لحدّ اللحظة تنجح بذلك.
بداية موسم جديد، نتمنى فيه أن تكون المهنية والجدية، مع التنظيم والانضباط في العمل، هي المعايير الفعلية عند التحضير لصناعة “المحتوى”، الذي يعني الجمهور المحلي قبل غيره، بعيدا عن أية معايير أخرى، لا تمت للعمل الإعلامي المهني بِصلة، كالشخصانية، والمحسوبيات، الواسطات وغيرها من الآفات، التي يجب التخلص منها في حال أردنا الارتقاء بما نقدم للجمهور، فهو البوصلة، وهو الخصم والحكم.