“ورقة التوت”!
على الرغم من التفاؤل بالعام الجديد، والأمل بأن الأيام القادمة ستحمل الكثير من الخير للناس، إلا أن ذلك لا يعني التغاضي عن بعض الحقائق الحياتية التي يجب رفع الغطاء عنها لرؤية ما يحدث داخل المجتمع المنهك بالهموم والأعباء المعيشية ، ومن ثم العمل على معالجتها إن أمكن ذلك.
ولاشك أن سقوط الصورة المثالية الأفلاطونية لبيئتنا الاجتماعية الآن، بات أكثر واقعية والتصاقاً بيوميات الناس المتخمة بالتحديات التي “فكفكت” تلك الروابط الأسرية وشرعنت كل التصرفات تحت عنوان لقمة العيش، حيث تثبت العديد من الوقائع والحالات هشاشة المنظومة الاجتماعية التي تقهقرت وأصبحت أكثر استعداداً للتنازل عن القيّم في سبيل المصلحة الشخصية، وطبعاً ليس هناك حدود معينة للتجارة السائدة في هذه الأيام الصعبة التي تكتنز بكل المخالفات والتجاوزات. وقد وصل الأمر إلى حالة الفوضى العارمة في كل المناحي ولا نبالغ في القول إننا نواجه عاصفة من المتغيّرات على صعيد الفهم المجتمعي الأخلاقي، والتي أسقطت كما يقولون “ورقة التوت”!. وهذا الاعتراف ليس من قبيل التشاؤم أو تشويه صورة الحياة العامة، بل لكونه الأجدى والأقوى على صعيد الحلول، بدلاً من الاستمرار في تضليل أنفسنا ومجتمعنا والتمسّك بحالة مثالية غير موجودة تتيح لكل متربص ومسيء للحياة العامة فرصة الاستمرار بالإساءة المتعمّدة لكل المجتمع، بعد أن تلاشت مسؤولية البعض الأخلاقية والاجتماعية والقانونية اتجاه مجتمعه.
ومع الإقرار بعدم فاعلية القرارات المسؤولة على أرض الواقع، وفشل القانون بكل تصنيفاته في حماية الحاضنة الاجتماعية وحقوق الناس، سواء من ناحية التشريع أو من ناحية التطبيق، وبإخفاق الكثير من الإجراءات الرادعة في محاسبة المخالفين ومساءلتهم .. نتساءل عن إمكانية تطبيق العقوبة الاجتماعية بحق البعض، وذلك ليس على صعيد المجتمع الأهلي فقط، بل على نطاق المؤسسات من خلال تطبيق الأنظمة والقوانين الاجتماعية للحدّ من التجاوزات، ففرض عقوبة تنظيف الشوارع بحق كل من يرمي القمامة بشكل عشوائي قد يكون أكثر فاعلية من أي نصّ قانوني أو مخالفة مادية. كما أن كشف من يسرق قوت الناس بفضحه أمام مجتمعه لينال المقاطعة الاجتماعية، قد يكون أشد وطأة وأكثر نتيجة من العقوبة القانونية التي يتمّ التلاعب بها، ومقاطعة ذلك الجار الذي يستخفّ بحقوق جيرانه ويعتدي على أملاكهم تحت عنوان الفوضى، قد تمنع الكثير من التجاوزات والمخالفات التي تجسّد حالة من التخلي عن القيم والمبادئ في سبيل المنافع الشخصية التي جعلت من تجارة بيع الجسد أكثر رواجاً وانتشاراً على مرأى الجميع!!.
وبصراحة لفرض سلطة القوانين القضائية والأنظمة المؤسساتية، والتخفيف من التجاوزات ولجم المخالفات وإعادة الاستقرار الاجتماعي والأخلاقي إلى حياة الناس، لابد من الاستعانة بالقانون الاجتماعي لضبط الواقع وتحصين المجتمع وإعادة ترميم الحياة العامة ومفاهيمها، وتدعيم مرتكزاتها في مواجهة المدّ الفكري الثقافي الجديد من جهة، والظروف الاستثنائية التي قلبت حياة الناس وأدخلتهم دوامة الفقر والحاجة من جهة أخرى.
بشير فرزان