جونسون يغير الخارطة السياسية للمملكة المتحدة
هيفاء علي
في غضون ستة أشهر، حول بوريس جونسون حالة الإحباط والصراع مع باقي القوى السياسية البريطانية إلى انتصار سياسي. منذ أن تولى السلطة، كان تأثيره ثورياً وقد “نجح” بذلك. لقد فعل المستحيل، ولكن من خلال عكس ما توقعته العقلانية التقليدية، بحسب “اليستر كروك”، المحلل السياسي البريطاني.
لقد كان على رأس حكومة الأقلية وضد برلمان معاد للغاية وسريع الغضب. ماذا سيفعل القائد العقلاني في مثل هذه الظروف؟ تخلص ببساطة من الجناح الأكثر ليبرالية في حزبه الذي استنكر أن يكون رئيساً للوزراء كي يتجنب موجة الهزائم في سياساته من قبل مجموعة من النواب الذين يريدون أن يعيقوا ذلك.
لقد توج هذا “التفرد” السلوكي الخاص بإعلانه صراحةً أنه سيضحي بمقاعد المحافظين في المقاطعات الرئيسية (متروبوليتان) في رهان لكسر “الجدار الأحمر” لحزب العمال في شمال ويلز و المقاعد “الحمراء” في شمال انكلترا.
مثل هذا التطرف لا ينتهي، ولن ينتهي بالنجاح الانتخابي. لقد عكس جونسون بالفعل الخريطة السياسية للمملكة المتحدة – مبتعداً عن معيار ما بعد الحرب – بطريقة لا يستطيع الساسة الآخرون في بلدان أخرى أن يلاحظوها. قد يقدم منهجه الجذري “دراسة حالة” حول كيفية الخروج من حالة الركود في أوروبا ما بعد الحرب.
جونسون وفريقه لديهم وجهة نظر مختلفة للغاية عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. قال جونسون في مقابلته مع “سبيكتاتور” خلال الحملة أن التصويت على مغادرة الاتحاد الأوروبي كان مدفوعاً من قبل عدم المساواة الإقليمية. هذا التشخيص يعني أنه يصف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بأنه سيؤدي إلى نموذج اقتصادي أفضل للمملكة برمتها.
ستكون هذه هي الأولوية، وسوف تربك أولئك الذين يعتقدون أن هذه الحكومة هي نوع من الانتصار في اقتصاد المنطقة، إنه يفكر في الطريقة التي يمكن للحكومة من خلالها استعادة مناطق البلد المهملة، إضافةً إلى اهتمامه بالاستراتيجية الإقليمية والصناعية، المشروعات التي تستهجن في دوائر يمين الوسط، بعبارة أخرى اقتصاد أفضل وبيئة معيشية متجددة.
في وقت من الأوقات كان جزءاً رئيساً من البلاد، وهو “الامتداد الوطني” الأبيض بأغلبية ساحقة يستقطب الطبقة العاملة الأكثر فقراً من الطبقة المتوسطة، المكون الرئيسي لحزب العمال، وظل مخلصاً له على الرغم من تحوله، تحت قيادة بلير ، إلى حركة تتفق تماماً مع إجماع واشنطن و “فقاعة دافوس”.
ولكن بمرور الوقت، تضاءل التصويت الجديد لحزب العمل، وأصبح أكثر حضرية، وأكثر ثراءً، وأكثر تنوعاً، وأكثر شباباً، وأكثر تعليماً، أو بمعنى آخر أصبح “Davos”. في حين أصبح تصويت المحافظين أكثر فقراً وبياضاً و أكبر سناً وأقل تعليماً وأكثر محافظة ، وبات أشبه بناخبي الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة.
هذه الديناميكية الأساسية ليست فقط حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كما يراها جونسون، ولكنها تتعلق بالمكان الذي اجتاحت فيه التجربة الاقتصادية الليبرالية الجديدة والمالية اليوم بريطانيا والعالم حيث انتقلت الثروة من 60٪ في الأطراف إلى مركز النخبة، ليس فقط في بريطانيا بل في كل مكان آخر.
وعليه يتوقع مراقبون أن تشهد بريطانيا الآن تجربة جريئة على وشك أن تتكشف، وتركز على وقف تطلعات جمع الثروة الإضافية في مركز العاصمة. وإذا نجحت التجربة وتمكنت حكومة جونسون من تحقيق ذلك، فسوف يصبح مشروعاً رائداً حتى خارج المملكة المتحدة، إذ يتصور جونسون ومستشاره السياسي دومينيك كمينغز ثورة ثقافية حقيقية في حكم المملكة المتحدة.
هذه هي الرسالة التي صدرت من نتائج الانتخابات في المملكة المتحدة: “قادة” اليسار الحالي سواء في المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة أو أوروبا معزولون عن قاعدتهم (مثل حزب العمل) ويهملون اهتمامات ناخبيهم الفقراء. ويكفي فقط النظر إلى شريك تحالف أنجيلا ميركل، الحزب الاشتراكي الديمقراطي ، لفهم السبب في أن الانتخابات البريطانية ليست مجرد قضية بريطانية بحتة.
لقد تم تغيير الخريطة السياسية للمملكة المتحدة بالفعل. والآن أصبح نموذجها الاقتصادي على وشك الإصلاح إما نحو إطار جديد مرتبط بأوروبا، أو كمنصة تفاوض حرة جذرية. اعتمد بيان المحافظين لصالح النموذج الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، ورفض ضمنياً فكرة “سنغافورة على نهر التايمز”، أي إعفاءات ضريبية جذرية، والحفاظ على ضريبة الشركات بنسبة 19 ٪.
هل هذا يعني أن رئيس الوزراء سوف يكتفي باتفاقية تجارة حرة سريعة وموحدة مثل اتفاقية التجارة الحرة مع كندا؟ حتى إذا أراد جونسون أن تكون المملكة المتحدة أقل توافقاً مع اللوائح الأوروبية مما يقبله الاتحاد الأوروبي، فإن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه سوى أن يعرض على جونسون اتفاقية على غرار اتفاقية التجارة الحرة مع كندا أي التعريفات.
إذاً، مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يمثل انتصار جونسون الانتخابي “نهاية البداية” في تاريخ التحولات الهيكلية المؤلمة التي ستكون مطلوبة للشعب البريطاني. وما ورثه جونسون فعلاً هو سلسلة من القرارات الاستراتيجية التي لن تحلها الشخصية بمفردها من التنازلات التي يجب تقديمها في علاقات بريطانيا مع أوروبا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، إلى إعادة بناء اقتصاديات الجدار الأحمر والبحث عن “خدعة” اقتصادية بريطانية جديدة. تحديات صعبة سوف يواجهها جونسون في الأيام القادمة، فهل سيتمكن من التغلب عليها؟ يتساءل مراقبون.