ماذا بعد اغتيال سليماني والمهندس ورفاقهما؟
ليس دقيقاً القول إن إرهاب الدولة الذي مارسته الولايات المتحدة الأمريكية بقصف سيارة الشهيد سليماني ورفيقه المهندس في مطار بغداد كان مجرد فعل رئيس أرعن اسمه ترامب، بل ما حدث هو فعلة عصابة إرهابية، مع سبق العمد والقصد والإصرار، من قبل أحد طرفي الدولة الأمريكية العميقة، ولو لم يقم بها هذا الطرف لقام بها الطرف الآخر بطريقة أو بأخرى.
تلك هي أمريكا الامبريالية، مشعلة حروب إقليمية وأهلية وفتن؛ ومحركة انقلابات عسكرية وثورات مخملية، و”أرابيع” فوضى خلاقة، بحسب كونداليزا “سمراء بوش”، هي أمريكا مبرمجة عقول وعقائد على مقاساتها، وماسحة أدمغة وتاجرة رقيق وسجون طيارة، تعمل ضد مصالح الأمم والشعوب والدول والحضارات السوية؛ ومتحولة بها إلى سلوكيات شاذة حيوانية منحرفة، سارقة ثروات ومجهضة ثورات حقيقية، ومصادرة حريات باسم الحرية وحقوق الإنسان والنساء والأطفال، وهي القاتلة للأطفال والنساء والشيوخ والرجال، والمصادرة للحريات والمعهرة للقيم.
إذ ذاك فلا غرابة إذا ورّط العهر الأمريكي ذاته، فعمد إلى اغتيال الشهيد سليماني ورفاقه، ولم يستوعب أن هذه الجريمة الموصوفة خرقاء، هي كمن (يلعب بدمه) بحسب لهجتنا العربية المحكية، وليس الفعل الآتي كالكلام، مهما اشتدت العبارات، ورغم فداحة الألم ربما لدى محور المقاومة؛ إلا أن حماقة إرهاب الدولة الأمريكية العميقة، بغض النظر عن الطرف المنفّذ الأكثر حمقاً، قدم لإيران ولمحور المقاومة هدية بالغة للرد خارج قواعد الاشتباك، فلا من يلوم ولا من يحزنون، والمتشفون أو الفرحون سيبؤون بخسران عظيم.
إن الفعلة الأمريكية الحمقاء ليس مسؤولاً عنها ترامب وحده، ليتلقى منفرداً العقاب المناسب، بل النظام الأمريكي العدواني الذي نشأ وكبر على الطغيان، لكنه الآن، وهو يتباهى بأفعاله المشينة، فإنه يعجل نهايته، وسقوطه بات وشيكاً.
أرى أن العراق باغتيال الحي الشهيد سليماني، بات أكثر من أي وقت مضى قرباً وقدرة على تجاوز قرابة عقدين من الضياع، وفقدان التوازن والغربة الداخلية، والتأكيد على عروبته الصافية، وصولاً إلى أن يجد نفسه والسيطرة على ثرواته وبناء جيشه الوطني القومي المقاوم.
محمد شريف الجيوسي