الحماقة الترامبية والقصاص العادل
بعد الجريمة الإرهابية النكراء التي ارتكبها الجيش الأمريكي في العراق بأمر مباشر من الرئيس ترامب، وأدت إلى استشهاد الفريق قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما، تركّز الاهتمام الإعلامي على معرفة كيف سيكون الرد الإيراني. ولابد أن أمريكا وحلفاءها، ولاسيما العدو الصهيوني، مهمومون ومشغولون جداً بهذا الأمر، وأن بينهم من يعيشون حالة من القلق والتخبط، بل وحتى من الخوف والهلع، دون أن يعرف أحد كيف سيكون الرد القادم لا محالة، وما بعض التحركات الدولية والإقليمية للعمل على تفادي التداعيات الخطيرة لهذا العمل الإجرامي، ولا سيما التصريحات الأوروبية ودعوة وزير الخارجية البريطاني إيران إلى التفاوض، بل وما جعجعة ترامب وتهديداته المستمرة بضرب إيران إلا محاولات مفلسة لإيقاف أو إضعاف الرد المنتظر على الجريمة وخاصة الرد الإيراني الذي أكد المسؤولون الإيرانيون أنه سيكون انتقاماً قاسياً كما قال المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وأن الإيرانيين سيلقنون أمريكا درساً لن ينساه ترامب وجميع الرؤساء القادمين، كما قال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، وأن الانتقام سيكون على نطاق واسع على مر الوقت وبآثار مصيرية كما قال القائد العام لحرس الثورة الإسلامية…
على أن ما يخيف أمريكا وحلفاءها الأوروبيين والإقليميين أكثر هو أن الرد سيتوسع ليشمل محور المقاومة كله، وهذا يُفهم من كلام القائد العام لحرس الثورة الإسلامية، ومما أكده السيد حسن نصر الله بالقول إن القصاص العادل من القتلة سيكون مسؤولية وأمانة وفعل كل المقاومين والمجاهدين على امتداد العالم.. وإن هذا القصاص هو استهداف الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة. ومن الواضح أن هذا الكلام يجد مصداقيته العالية في المواقف الشعبية والرسمية التي عبّرت عنها قوى المقاومة، حيث ما وُجدت في بلدانها المختلفة، وتكثّفت في تشييع الشهيدين الكبيرين في العراق، ذلك التشييع المهيب الذي كان إعلاناً مدوياً عن أن إنهاء الوجود الأمريكي في العراق والمنطقة قد بدأ، وقد كانت بداية الغيث في العراق فعلاً، حيث استجاب البرلمان العراقي للمطالبة الشعبية الواسعة بإلغاء الاتفاقية الأمنية مع واشنطن في خطوة سياسية وطنية حاسمة نزعت الشرعية عن الوجود الأمريكي في العراق، وشرّعت لطرد الأمريكيين الذين أكدت جريمتهم النكراء، وما شكّلته من اعتداء سافر على سيادة العراق، أنهم محتلون ومجرمون ومغتالون سياسيون يعملون ضد العراق، ويسعون لتقسيمه وتخريبه…
لقد فتحت جريمة ترامب وعصابته أبواب جهنم على الولايات المتحدة وحلفائها. فهذه الجريمة كما اعتبرها البعض، حتى من الأمريكيين، حماقة ما بعدها حماقة، ذلك أن ترامب لم يكتفِ بحماقته الأولى المتمثّلة باستهداف مواقع الحشد الشعبي، ولم يأخذ الدرس من الغضب العراقي الجماهيري الهادر الذي تفجر ضد ذلك العدوان، بل أقدم بعد مدة قصيرة على الأمر بارتكاب جريمة أفظع ومن الحجم الثقيل الذي لا يمكن أن يمر دون عقاب قاسٍ لا ندري كيف غاب عن ذهن الرئيس وعصابته، ويصعب أن نجد تفسيراً لهذا السلوك العدواني اللا عقلاني الأهوج سوى أن الإدارة الأمريكية ترفض رؤية الواقع، كما ترفض التسليم بحقيقة انتهاء وضع الدولة الأمريكية كقطب وحيد مهيمن على العالم، مما يجعلها ترتكب هذا النوع من الحماقات الجنونية لإظهار أن وضعها لم يتغير، غير مدركة أن ما تفعله، إنما يغرقها أكثر فأكثر في وحل السقوط، ويسرّع من أفولها وانتهاء عصر هيمنتها العدوانية…
وها هي أمريكا ستواجه في الأيام القادمة استحقاق دفع ثمن باهظ على حماقاتها المتكررة، وستُطرد من المنطقة بمختلف طرق المقاومة العسكرية والسياسية وغيرها… مما يعني ضربة قوية للمشروع الأمريكي الصهيوني تُسهم فيه قوى المقاومة جميعها، كل من موقعه وحسب خصوصيته وإمكانياته، مما يعني أيضاً أن عام 2020 سيكون عام محاسبة أمريكا وحلفائها ولا سيما “إسرائيل” محاسبة عسيرة على كل الجرائم التي ارتكبوها في العراق وسورية ولبنان واليمن وكل المنطقة…
وساذج وأحمق فعلاً هو الرئيس الأمريكي إذا كان يعتقد أن جريمة مثل هذه الجريمة ستبقى بلا رد موجع، أو أن إدارته قادرة على امتصاص آثارها، أو أنها ستُضعف المقاومة وتكسر شوكتها. فها هي الجريمة الأمريكية تؤجج المقاومة، وتوسّع رقعتها وتفجّر طاقاتها… وكما قال السيد الرئيس بشار الأسد: إن هذه الجريمة ستزيد محور المقاومة عزماً على مواصلة الوقوف في وجه السياسة الأمريكية التخريبية وفي وجه كل قوى العدوان.
محمد كنايسي