لا للحرب.. نعم للتصعيد
ترجمة: البعث
عن موقع غلوبال ريسيرتش 3/1/2020
إن أحد أكثر الآراء شيوعاً التي تدور في مجتمع الإعلام بعد اغتيال اللواء سليماني هو أن ترامب يثير حرباً مع إيران من أجل المساعدة في الفوز بإعادة انتخابه، لكن هذا ليس هو الواقع لأن بطبعه أنه يستفز أي شيء، إضافة إلى أن التكاليف الفعلية لمثل هذا الصراع يمكن أن تنقلب عليه ولا يتمّ إعادة انتخابه.
لم يخفِ ترامب أبداً أي كراهية للحكومة الإيرانية، لذلك من السهل على الكثير من المراقبين الاتفاق على الرأي العام المتداول حول مجتمع وسائل الإعلام بعد اغتيال اللواء سليماني، بأن الرئيس يستفز حرباً مع إيران من أجل المساعدة في الفوز بإعادة انتخابه. هذا هو التقييم الخاطئ الذي يجب إجراؤه نظراً لأن الجيش الأمريكي الذي يشكّل مسار الأحداث بشكل مباشر لا يعتقد أنه يثير أي شيء (بغض النظر عن الحقيقة الموضوعية)، وبالتالي فإن ترامب لا يعتقد ذلك أيضاً. فالبنتاغون ينضح بالأيديولوجية الاستثنائية الأمريكية، وهو مقتنع بأنه يحق له استخدام جميع الوسائل الممكنة لإزالة إيران والقوى المتحالفة معها من العراق. ولهذه الغاية قصفت هي وحليفها “الإسرائيلي” وحدات الحشد الشعبي مرات عدة خلال الشهر الماضي. لا يهمّ ما إذا كانت هذه هي السياسة “الصحيحة” أو “الخاطئة”، ولكن ببساطة أنها موجودة وكيف يتمّ فهم مثل هذه الإجراءات من قبل صنّاع القرار الأمريكيين.
ونظراً لأن الولايات المتحدة تعتقد أن لها “الحق” في تنفيذ مثل هذه الهجمات، فقد أدركت بالتالي أن الاحتجاجات الواسعة النطاق التي قامت بها وحدة إدارة المشروع خارج سفارتها العراقية تشكّل تهديداً وشيكاً لمواطنيها داخل أكبر منشأة دبلوماسية في العالم. ونظراً لأن كتائب حزب الله وبقية وحدة إدارة المشروع على نطاق واسع تربطهم علاقات ممتازة مع الحرس الثوري الإيراني، فقد كان من السهل للغاية على الولايات المتحدة أن تدور حول السرد القائل بأنه “لا بد” من وجود “يد إيرانية خفية” وراء هذا الحادث البارز، والذي استدعى على الفور إلى الأذهان لحظة أوباما في بنغازي، وبالتالي أجبر ترامب على الردّ بالطريقة المعاكسة الكاملة كسلفه من خلال مضاعفة الوحدات العسكرية الأمريكية هناك، وتفاخر بأن هذه هي لحظة “معاداة بنغازي”.
الميجور جنرال سليماني كان بالفعل مدرجاً على قائمة الإرهاب “بضربة قطع الرأس” الأمريكية حتى قبل الحصار المفروض على السفارة، لكن هذا التعليق ربما كان القشة التي قصمت ظهر البعير، وأقنعت ترامب بأنه كان بحاجة لاغتياله بشكل تكتيكي إرهابي لإثبات أنه لن يتسامح مع خصمه “بالتحدث إليه”. قد يبدو هذا تافهاً للبعض ومخيفاً للآخرين، لكن ترامب يأخذ “لحوم البقر على تويتر” على محمل الجد، لدرجة أثبت أنه على استعداد للقتل من أجل الدفاع عن سمعته الدولية.
يمكن للولايات المتحدة أن تدمّر كل الأصول الثابتة لإيران (سواء أكانت قواعد أو مدناً أو أي شيء آخر) إذا كانت لدى ترامب الإرادة السياسية للقيام بذلك في “الرد” على أي ردّ فعل تقليدي من قبل الجمهورية الإسلامية، سواء تمّ ذلك “بشكل استباقي” بسبب “معلومات استخباراتية” مفترضة بأنها كانت تعدّ ضربة صاروخية على سبيل المثال، أو “انتقامي” في حالة وقوع حدث غير مرجح. لذلك لا يمكن لإيران أن تردّ إلا بشكل غير متماثل خشية أن تدخل في الانتحار الوطني.
ليس هناك شك في أن سيناريو الحرب سيؤدي إلى موت عدد لا يُحصى من الناس، ومن المؤكد أن ترامب سوف يتحمّل المسؤولية عنه، بما في ذلك الخسائر في الأرواح الأمريكية، و”الإسرائيلية” خاصة. لذلك فإن الوضع أكثر تعقيداً مما قد يبدو للوهلة الأولى، لأن ترامب لا يرغب في شنّ حرب مع إيران، لأنها قد تعرض آفاق إعادة انتخابه إلى حدّ كبير للخطر، كما لا يمكن لإيران أن تدع هذا الاغتيال بلا إجابة، لذلك من المؤكد أن هناك تصعيداً من نوع ما في المستقبل القريب.