الزراعة بالمتر!
يبدو أن البحث عن الآلية والسياسة التي تمكننا من زراعة كل متر قابل للزراعة مازال جارياً، والدليل الحديث الحكومي في محافظة حمص، ونعتقد أيضاً أن عملية البحث ستستمر لسنوات قادمة كونها تتلاقى بنتائجها مع خلاصة المثل الشعبي (من كبر حجرو ما صاب)، فلم تفلح الاجتماعات المتتالية حتى الآن بوضع حجر الأساس لأي إجراء تنفيذي يحقق هذا الهدف، ويدعم التنمية الزراعية الاقتصادية التي ترسم خرائطها بطريقة تستثني الممكن والمتوفر حالياً، وتلاحق السراب الزراعي، وهو ما كانت له ارتدادات كبيرة على ثقة الفلاح بالجهات المعنية المسؤولة التي لم يتقاطع حديثها عن تحديات الواقع مع أي إجراء تنفيذي على ساحة الحلول، وخاصة لجهة إقامة مشاريع صناعية قادرة على استيعاب المنتج الزراعي وتصنيعه محلياً، بل على العكس، فقد تم إدخال الكثير من الأفكار السائرة في ميدان التصنيع الزراعي في معادلات حسابية مستحيلة الحل، وبشكل يحيّد الجدوى الاقتصادية، ويسقط أي مشروع في فخ الخسائر رغم توفر الكثير من مقومات النجاح.
وفي الوقت الذي تنشغل فيه الأسرة الزراعية بالبحث عن حلول ومخارج آمنة للواقع الزراعي، نجد الكثير من المشاريع العالقة إلى الآن في مخاض الولادة، رغم أنها لا تتطلب الكثير من التقنيات، أو تحتاج لرأسمال كبير، وكل ما تحتاجه وضع روزنامة مناطقية لهذه الصناعات ضمن استراتيجية تسويقية وتصنيعية واضحة المعالم تربط ما بين سياسات الإنتاج والتصنيع وفق علاقات تشابكية بين منشآت التصنيع الزراعي والفلاحين، وبشكل يؤدي إلى رفع القيمة المضافة للمحاصيل الزراعية، ويقلل الفاقد منها.
لا شك أن صخب الوعود المتساقطة في “دومينو” عدم الإنجاز، ومعاناة الفلاحين المستمرة والمتفاقمة، يفتحان الباب أمام العديد من التساؤلات حول مدى الجدية في التعامل مع هذا الملف، ومع مطالب الفلاحين الباحثة عن مستقبل تسويقي ناجح لمواسمهم الزراعية، ولا شك أن بيادر الإنتاج التي تواجه في كل عام تبعات وتداعيات استراتيجية، “لا حس ولا خبر”، تنتظر إقلاع مشاريع تصنيعية متكاملة تمد يد العون للفلاح، وتحقق عائدية اقتصادية دائمة للاقتصاد الوطني، وخاصة في هذه الظروف.
وبقراءة الواقع الزراعي الحالي بأرقامه وأهدافه المستقبلية، وبتحدياته المناخية والمائية، تتزاحم الأفكار والتساؤلات الباحثة عن مصلحة الفلاح المغيبة إلى الآن، بالقطيعة ما بين الاقتصاد الصناعي وركائزه الزراعية، فهل هناك أمل في انعطافة السياسات الاقتصادية نحو التصنيع الزراعي بشكل جدي، واستثمار كل متر مزروع بعيداً عن الاستراتيجيات الفضفاضة، أم تستمر مناقشات واجتماعات المراوحة على خطوط البداية؟!.
بشير فرزان