ترامب.. استقطاب اليهـود الأمريكيين
د.معن منيف سليمان
يُحاول الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في سعيه لإعادة انتخابه عام 2020، لولاية رئاسية ثانية، لاستقطاب اليهود الأمريكيين المناصرين لـ”إسرائيل”، أولئك الذين تحتضنهم “الإيباك” الأكبر والأهم بين مجموعات الضغط “اللوبيات” العاملة في الولايات المتحدة، وأكثرها تأثيراً في توجيه السياسة الأمريكية المؤيّدة لـ”إسرائيل”. وقد شارك في مؤتمر للقمّة الوطنية للمجلس الإسرائيلي لعام 2019، في هوليوود، وحاول فيه إظهار نفسه إسرائيلي أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، فأعلن أنه أكثر رئيس صداقة لـ”إسرائيل” في تاريخ الولايات المتحدة، وأنه خلافاً عن أسلافه “يفي بوعوده” أمام اليهود. وكان الرئيس “ترامب” قد سعى لإرضاء اليهود منذ وصوله إلى البيت الأبيض فقدّم لهم خدمات استراتيجية على حساب العرب والفلسطينيين، ولهذا فهو يحظى بدعم الأحزاب اليمينية الأكثر تطرّفاً في “إسرائيل”، ولكن على الرغم من وفاء “ترامب” بجميع وعوده الانتخابية التي أطلقها خلال الحملة الانتخابية في عام 2016، إلا أن تخلي اليهود الأمريكيين عن دعم “ترامب” في الانتخابات الرئاسية يبدو واضحاً.
كان الرئيس الأمريكي “ترامب” قد سعى لإرضاء اليهود منذ وصوله إلى البيت الأبيض، حيث اعترف في نهاية العام 2017، بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، وفي منتصف العام 2018، نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ثم في مطلع العام 2019، اعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتلة عام 1967، وامتنع الرئيس “ترامب” عن دعم خيار حلّ الدولتين، للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وأوقف دعم الفلسطينيين مالياً، بما في ذلك دعم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، وانسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، ورفض انتقاد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وصولاً إلى قراره الأخير، والخاص بالاعتراف بشرعية السيادة والاحتلال الإسرائيلي للمستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية الذي عدّ المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية غير منافية للقانون الدولي.
وفي هذا الصدد أكد الرئيس “ترامب” في مؤتمر للقمة الوطنية للمجلس الإسرائيلي مطلع شهر كانون الأول لعام 2019، في منتجع “ديبلومات بيتش” في هوليوود، إنه أصبح أوّل رئيس أمريكي انتقل من الأقوال إلى الأفعال في هذه المسائل قائلاً “ما من رئيس على الإطلاق قام بأي شيء يقترب مما قمت به لإسرائيل، من مرتفعات الجولان والقدس وإيران وغيرها”، وحمّل “ترامب” في كلمته بعض “اليهود العظماء” في الولايات المتحدة المسؤولية عن “عدم حب إسرائيل بما يكفي”. مضيفاً “علينا جعل الناس في بلادنا يحبّون إسرائيل أكثر”.
وأعرب “ترامب” عن قناعته التامّة بدعم الناخبين اليهود له في انتخابات الرئاسة لعام 2020، موضحاً أنهم، حتى لو لم يكن بعضهم من أشدّ مؤيديه، فإنهم سيصوتون له بغية حماية ثروتهم، وحذّر من أن فوز الديمقراطيين سيفقد اليهود مشاريعهم خلال خمس عشرة دقيقة.
يشكّل الناخبون الإنجيليون قاعدة أساسية لـ”ترامب” منذ انتخابات عام 2016، كما أن الكثير منهم مناصرون متحمّسون لـ”إسرائيل”، إذ يشعرون برابط ديني مع الشعب اليهودي والأراضي المقدسة. وتعتمد خطة “ترامب” للحفاظ على الناخبين الإنجيليين في عام 2020، على تصويره في صورة “بطل للقضايا المحافظة اجتماعياً، وتحذير الناخبين الإنجيليين من أن هزيمته يُمكن أن تُدمِّر التقدُّم الذي أحرزه”.
وكان قرار الرئيس “ترامب” الأخير بشأن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية استجابة لرغبات الإنجيليين الداعمين بشكل مطلق لـ”إسرائيل”. وهي الفئة الأكثر ميلاً تجاه “إسرائيل” من باقي الأمريكيين. وكشفت دراسات بحثية أن السبب الرئيس وراء حب الإنجيليين لليهود وتأييدهم لـ”إسرائيل” له جذور عميقة في معتقداتهم، حيث لديهم تعاليم تسمى “التدبير الإلهي”.
وفي مقابلة جرت في “إسرائيل” في آذار عام 2019، علّق “بومبيو”، وزير الخارجية الأمريكي، على السياسات التي قرّر “ترامب” انتهاجها حيال “إسرائيل” بالقول: “الرب كان يعمل هنا”. و”بومبيو” نفسه من الإنجيليين هو و”مايك بنس” نائب الرئيس. ولدى سؤاله عن احتمالات إعادة انتخاب “ترامب” نفسه قال:” لدي 68 مليون متابع على فيسبوك، عندما يبارك الرئيس “إسرائيل” يشعرون بقوة أن الرب سيبارك لنا… لن يحصل على 90 بالمئة، بل سيحصل على مئة بالمئة من هذه القاعدة الانتخابية”.
وعلى الرغم من محاولاته الحثيثة، لإرضاء اليمين الإسرائيلي، إلا أن استطلاعات الرأي وعمليات التصويت في الولايات المتحدة الأمريكية، تشير إلى أن اليهود الأمريكيين، يفضّلون الحزب الديمقراطي، المنافس للحزب الجمهوري الداعم لـ “ترامب”. ولهذا اتهم “ترامب” اليهود الأمريكيين الذين صوّتوا للحزب الديمقراطي بعدم الولاء وقلّة المعرفة. وقد لاقت تصريحاته انتقادات حادّة من قبل بعض الجماعات اليهودية.
وأعربت اللجنة اليهودية الأمريكية، في تصريح مكتوب إنها تشعر “بالغضب” من تصريحات “ترامب”، داعية “الرئيس لوقف مثل هذا الخطاب المثير للانقسام والتراجع عن تصريحاته الساخطة”.
وقال “ديفيد هاريس”، الرئيس التنفيذي للجنة اليهودية الأمريكية، إن تعليقات الرئيس “مثيرة للخلاف بشكل مثير للصدمة وغير ملائمة من قبل مَن يشغل أعلى منصب منتخب”. وأضاف: إن لليهود الأمريكيين، مثلهم مثل جميع الأمريكيين، “مجموعة من الآراء السياسية وأولويات سياسية، إن تقييمه لمعرفتهم أو ولائهم، استناداً إلى تفضيلهم الحزبي، غير مناسب وغير مرحب به وخطير تماماً”.
وبدوره كتب “جوناثان غرينبلات”، الرئيس التنفيذي لرابطة مكافحة التشهير (منظمة يهودية أمريكية)، في تغريدة على مدونة “تويتر”:” ليس من الواضح من الذين يزعم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أنهم (غير موالين)، لكن اتهامات الخيانة تستخدم منذ فترة طويلة لمهاجمة اليهود، كما قلنا من قبل، من الممكن الانخراط في العملية الديمقراطية بدون هذه الادعاءات، لقد طال انتظاره التوقف عن استخدام اليهود ككرة قدم سياسية”.
ومن جهته قال منتدى السياسة الإسرائيلية:” نحن نرفض تعليقات الرئيس ترامب التي تشير إلى الجهل والخيانة بين اليهود الأمريكيين، إن كلمات الرئيس مُروّعة، ولكنها غير مفاجئة بالنظر إلى سجله من التصريحات غير اللائقة، وكذلك جهوده للاستفادة من إسرائيل باعتبارها قضية دسمة في السياسة الأمريكية”.
إن وفاء الرئيس الأمريكي “ترامب” بجميع وعوده الانتخابية التي أطلقها خلال الحملة الانتخابية في عام 2016، وخدماته الاستراتيجية التي قدّمها لـ”إسرائيل”، ونيله دعم الأحزاب اليمينية الأكثر تطرّفاً في “إسرائيل”، كل ذلك لم يشفع له، ويبدو الاستغناء والتخلّي من قبل يهود الولايات المتحدة تجاه “ترامب” واضحاً. فالغالبية من اليهود الأمريكيين يصوتون للحزب الديمقراطي، فالديمقراطيون حصلوا على نحو 80 بالمئة من أصوات اليهود في الانتخابات النصفية للكونغرس في العام 2018، وهناك في الكونغرس أكثر من 30 عضو كونغرس يهودي في الحزب الديمقراطي، مقابل اثنين فقط في الحزب الجمهوري الداعم للرئيس “ترامب”. فهل يكون لهؤلاء دور في إخفاق “ترامب” في البقاء في البيت الأبيض لولاية رئاسية ثانية؟