يلعــــب بالنــــار لإنقــــاذ رئاســــته!!
هيفاء علي
يمثّل اغتيال الأمريكيين لقاسم سليماني بأمر مباشر من ترامب تصعيداً خطيراً يعادل إشعال حرب ستولد عواقب وخيمة على المدى الطويل. فهذه الجريمة هي سلوك شرير وعمل حربي صارخ تمارسه الغطرسة الكاملة لقوة عظمى متراجعة، تسعى إلى تجاوز أي خط أحمر وتجاوز القانون لتحقيق مآربها المهيمنة.
بالنسبة لإدارة ترامب، انتهى عام 2019 بنبرة مريرة وضربة مزدوجة: أزمة سياسية داخلية ناجمة عن إجراءات الإقالة والعزل، وتصعيد خطير ومتقلب في العراق، يمكن في ضوء هذا التطور الأخير أن تحول بسهولة عام 2020 إلى عام حرب آخر للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، هذا مع أهمية توقيت هذا العمل الإرهابي.
ولفهم الأحداث الأخيرة هناك عناصر سياقية مهّدت لها، منها العدوان الأمريكي الأخير على مواقع عسكرية في سورية والعراق، تزامن مع إجراء مناورة بحرية مشتركة بين إيران وروسيا والصين في خليج عمان، وهذا مؤشر واضح على الرفض الصيني والروسي لسياسة ترامب المناهضة لإيران، والذي وصفه الجيش الأمريكي بأنه “ضربات دفاعية دقيقة” رداً على التهديد المتزايد من القوات الموالية لإيران في المنطقة. وبعد شنّ هذه الضربات مباشرةً، أجرى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مكالمةً هاتفية مع قادة الكيان الإسرائيلي والإمارات والسعودية. ما يعتبر مؤشراً بأن لهذه الضربات تداعيات جغرافية إستراتيجية، بحسب مراقبين.
وبينما ترحب السلطات السعودية والإماراتية ترحيباً حاراً بفكرة ذوبان الجليد في العلاقات مع إيران، فمن الواضح أن نوايا بومبيو هي تحييد هذا الاحتمال والقضاء عليه لأنه يتعارض مع المصالح الأمريكية المهيمنة في المنطقة.
وهنا يجب عدم التغاضي عن الاحتمال الواضح بأن ترامب استوحى من إستراتيجية قديمة لإطلاق العنان لأزمة خارجية لتجنّب الأخطار الداخلية المعلقة على رئاسته، وهذا ما يذكر بما قام به بيل كلينتون عام 1998 عندما أمر بشنّ ضربة جوية على العراق عشية تصويت كبير على عزله.
ففي محاولة منه لتحويل الانتباه عن عملية عزله وإقالته، التي اكتسبت زخماً من خلال الكشف عن أدلة أكثر شمولاً تشير إلى التعامل مع أوكرانيا، يتوقع ترامب وفريق السياسة الخارجية التابع له انتزاع المزيد من المكاسب السياسية للوقوف في وجه إيران، وخاصةً بعد هجوم العراقيين على السفارة الأمريكية شديدة التحصين في بغداد.
منذ ذلك الحين، انحازت الصحافة الأمريكية الرئيسية بأكملها إلى جانب ترامب لأنه استخدم القوة، إلا أن هذه الدعاية من قبل وسائل الإعلام الأمريكية التي تشجب السياسة الأمريكية المتحاربة -والتي تشكّل أيضاً انتهاكاً مباشراً للقانون الدولي- تتعارض تماماً مع ردّ فعل السكان في المنطقة، وتدفع صحيفة نيويورك تايمز إلى الاعتراف بذلك والحديث عن توحّد العراقيين من جميع الأطياف السياسية في إدانة الغارات الأمريكية التي قتلت وجرحت العشرات من العراقيين. وبالتالي ارتفاع نسبة الأصوات المعادية لأمريكا في العراق والمطالبة بخروج القوات الأمريكية إلى مستويات غير مسبوقة، رغم الكمّ الهائل من التغريدات التي يرسلها ترامب إلى الشعب العراقي لحثهم على توجيه غضبهم نحو إيران. فقد أخطأت الولايات المتحدة في تقدير عواقب عملها العسكري الذي أعطى الضوء الأخضر للردّ والانتقام.
إن الضربة الجديدة للعلاقات الأمريكية العراقية الناتجة عن هذه الجريمة النكراء موجهة ضد مصالح الأمن القومي الأمريكي، حتى لو كان ذلك يمكن أن يخدم المصالح الشخصية لدونالد ترامب المتخبّط في إجراءات العزل، ما يعكس تشعباً للمصالح، حيث يمكن أن ينتهي ترامب بإلحاق أضرار جسيمة بالمصالح الأمريكية في الخارج من خلال خلق أزمة مصطنعة من أجل إنقاذ رئاسته المعرّضة للخطر، والتفافه براية الوطنية والاستفادة من خزان التحريض على الحروب الذي لا ينضب. فالولايات المتحدة ترتكب إرهاب دولة سيؤدي بلا شك إلى اندلاع حلقة من العنف القاتل سيحصد الكثير من الضحايا. ومع ذلك، من مصلحة الأمريكيين منع تدهور الأزمة مع إيران.
فما الأزمة الراهنة الناجمة عن اغتيال شخصيتين إيرانية وعراقية سوى استمرار للأزمة الأمريكية الإيرانية التي نشأت في العراق، والتي يمكن أن تتحوّل إلى أسوأ بكثير من “حروب الظل” واستخدام الوكلاء مع وجود تحولات غير متوقعة ومنعطفات تمثل خطراً واضحاً بالنسبة لآلاف الجنود الأمريكيين المتمركزين في المنطقة، ناهيك عن الأخطار التي تهدّد صحة الاقتصاد العالمي والمرتبطة بحرية تداول النفط عبر مضيق هرمز.
وعندما يلعب دونالد ترامب بالنار لتعزيز رئاسته التي اهتزت بسبب إجراءات العزل، فإنه يجسّد كافة أعراض رئيس الحرب المستعد والمتأهب لبدء حرب كارثية جديدة في الشرق الأوسط، وبالتالي خيانة وعده بتجنّب إشراك الولايات المتحدة في صراع آخر. وكما توضح سياساته الخاطئة تجاه إيران والعراق، فإن ترامب لا يكرّر فقط خطط سلفه المناهضة للعزل، بل هو أيضاً على وشك إعادة تدوير الأخطاء التي ارتُكبت خلال حروب جورج بوش ضد الشرق الأوسط!.