“أعداء الديمقراطية الحميمون”.. وجهات نظر في مسائل الحرية والمساواة
ستبقى مسألة الحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة والنظم السياسية الشغل الشاغل للمفكرين في العالم، وثمة وجهات نظر للمؤلف الفرنسي تزفيتان تودوروف الذي عاش في أنظمة مختلفة، وأزمنة انتقالية عاصفة يضعها في كتابه “أعداء الديمقراطية الحميمون” الصادر عن الهيئة العامة للكتاب، ترجمة د. مناف عباس، وهو كتاب جدير بالدراسة والبحث والترجمة وربما من المفيد ألا يصل الفكر الإنساني إلى إجابات نهائية عن هذه المسائل فهي في منحى تطوري مستمر وما يهددها في هذه المرحلة هو تناقضها الداخلي في البلدان التي طبقتها.
تطرق الكتاب إلى الاستخدام المريب لكلمة الحرية والذي ليس جديداً ومع أنه في البداية كانت الحرية تبدو إحدى القيم الأساسية للديمقراطية إلى أن لوحظ إمكانية أن يكون لها استخدامات قد تمثل خطراً عليها نفسها، فهل هناك اليوم مؤشر إلى أن التهديدات المتربصة بالديمقراطية ليست بخارجية ولا تتأتى من قبل أولئك الذين يصنفون علناً ضمن أعدائها، وإنما هي تهديدات من الداخل تنتجها الأيديولوجيات والتيارات والتحركات التي تدعي الدفاع عن القيم الديمقراطية؟ أم هي مؤشر على عدم صوابية هذه القيم في جميع الأحيان؟ وكما هو معروف تمثل الحدث السياسي الأعظم في القرن العشرين بالمواجهة التي جرت بين الأنظمة الديمقراطية والأنظمة الشمولية، حيث قدمت هذه الأخيرة نفسها على أنها قادرة على تصحيح عيوب الأنظمة الديمقراطية لم ينته هذا الصراع الذي أدى إلى نشوب الحرب العالمية الثانية إلا بانتصار الديمقراطية، ولكن في بداية القرن الحادي والعشرين أصبح من المؤكد عقب أراء علماء سياسيين مؤثرين رافقت هجمات الحادي عشر من أيلول 2001 في الولايات المتحدة، أن عدواً جديداً قد حل محل العدو السوفييتي القديم وهو الفكر الإسلامي المتشدد الذي يدعو إلى حرب مقدسة ضد جميع ديمقراطيات العالم، ولكن مع الوقت تبين أن هذا الإرهاب لا يمثل بديلاً حقيقياً للدور الذي كانت موسكو ضالعة به في ظل غياب تام اليوم لأي نموذج اجتماعي يناقض النظام الديمقراطي، لا بل على العكس فالعالم يشهد اليوم تطلعاً إلى الديمقراطية في جميع البلدان إلا أن هذا لا يعني أن تتخلى الديمقراطيات عن فكرة الدفاع عن نفسها بواسطة السلاح، لأن الكوكب لم يتحول إلى مجموعة من الملائكة بل يعني فقط بأنه لا يوجد عدو دولي أو خصم على صعيد العالم، ولكن في المقابل بدأت الديمقراطية عينها تفرز عدداً من القوى التي تهددها من الداخل والشيء المستجد هو قدرة هذه القوى على تهديد الديمقراطية بقدر يفوق قدرة القوى التي تستهدفها من الخارج، كما أشار الكتاب إلى نقطة في غاية الأهمية وأنه على مر التاريخ اتخذت العديد من التدخلات العسكرية الطابع شبه الأخلاقي الذي يبدو أنه يميز السياسة الغربية على وجه الخصوص، فالمراحل المتبعة هي عينها حين البدء بالفعل يتم الإعلام عن الغايات الأخلاقية المتعارف عليها عموماً والمتعلقة بتحسين مصير الإنسانية أو أحد مكوناتها لخلق تحرك حماسي يسهل من خلاله تحقيق المشروع، ولكن في مرحلة لاحقة يلاحظ الجميع بأن الهدف الذي زعم أنه مشترك لم يكن كذلك البتة وأنه كان يتماشى مع مصالح خاصة لأولئك الذين صنعوه، كما لفت إلى أن الديمقراطية كانت تواجه قوى تخمد حرية كل فرد وكان ذلك يمثل حالة تضخم لما هو جماعي على حساب الفردي الذي كان خاضعاً لثلة قليلة من طغاة الحكام، إلا أن أحد التهديدات التي ترزح تحتها الديمقراطية في العالم الغربي اليوم ليست نابعة من توسع مفرط للجماعة بل هي تكمن بالأحرى في التقوية غير المسبوقة لبعض الأفراد الذين يعرضون بدورهم خير المجتمع برمته للخطر، وهذا ما يمكن تسميته بـ “طغيان الأفراد”، كما تم عرض بعض الأوجه التي تدعو إلى القلق في حياة الديمقراطيات المعاصرة والتي تكسب أهمية جديدة ضمن القالب الذي تفرضه ولاسيما بأن الوقائع بحد ذاتها معروفة للجميع وإنما مغزاها الشامل هو ما يشغلنا.
من هنا يمكن القول أن الكتاب يخلص إلى أن علة الديمقراطية هو غلوها حين تصبح الحرية استبداداً ويتحول الشعب إلى جمهور يسهل التلاعب به وتنقلب الرغبة في نشر التقدم إلى عقلية صليبية وتتحول وسائل تحقيق الرخاء إلى نزع صفة الإنسانية عن المجتمعات، ولكن في النهاية تبقى الحياة في كنف الديمقراطية أفضل من الخضوع لدولة ديكتاتورية عسكرية أو نظام إقطاعي ظلامي.
لوردا فوزي