قاسم سليماني.. غيفارا الإيراني
هيفاء علي
أثارت جريمة اغتيال اللواء قاسم سليماني وأبو المهدي المهندس ورفاقهما في بغداد على أيدي الأمريكان ردود فعل وموجة تنديد واستهجان وغضب عارم في الشارعين العربي والغربي على حدّ سواء، وغدت حديث الساعة في جميع وسائل الإعلام العربية والغربية، التي تطرقت في غالبيتها إلى احتمالات الردّ الإيراني، وإشعال نيران حرب عالمية ثالثة جراء الخطأ الفادح الذي ارتكبته إدارة ترامب، وأجمعت على عدم شرعية هذا الاغتيال الذي يمكن اعتباره دون مبالغة جريمة العصر.
ومن بين عشرات المقالات حول هذا الموضوع، هناك مقالان عميقان، الأول للصحفي البرازيلي المخضرم “بيبي اسكوبار”، الذي وصفه مدير سابق للاستخبارات الأمريكية بأنه” أفضل صحفي على الإطلاق، عنونه بـ”الخيار النووي والمالي لحروب ترامب النفطية”، والثاني لـ”سكوت ريتر” المفتش الأممي السابق الذي كان مكلفاً بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق، وتحوّل فيما بعد إلى أحد أكبر المنتقدين لسياسة الولايات المتحدة الخارجية، وعنون مقالته بـ”لدى إيران كل الأوراق للردّ وفي حربها مع الولايات المتحدة”.
أشار اسكوبار في مقالته إلى أن البنتاغون وضع سليماني على قائمة الاستهداف منذ زمن طويل، لكنه رفض توجيه الضربة خوفاً من العواقب المدمرة، غير أن إدارة ترامب فعلتها واغتالت مبعوثاً دبلوماسياً كان في مهمة رسمية طلبتها الحكومة الأمريكية بنفسها، مضيفاً: إن القانون الدولي مات بالفعل قبل الغزو الأمريكي للعراق وتدخل الصدمة عام 2003.
ولفت إلى أن القوات الأمريكية جاهزة بالفعل للبقاء بشكل غير قانوني في سورية بزعم “حماية النفط السوري”، وفي العراق باحتياطياته الكبيرة من الطاقة، هو حالة أكثر خطورة. وترك العراق يعني أن المحافظين والدولة العميقة يفقدون السيطرة المباشرة وغير المباشرة على النفط من أجل الغير، وسيفقدون إمكانية التدخل الذي لا ينتهي ضد محور المقاومة: إيران، العراق، سورية، وحزب الله. ومن ثم لفت الكاتب إلى أن اغتيال سليماني نجح في توحيد ليس فقط العراقيين ولكن أيضاً الإيرانيين، ومحور المقاومة بالكامل. على العديد من المستويات، يمكن وصف سليماني بأنه “تشي غيفارا الإيراني” في القرن الحادي والعشرين: لقد حوّله الأمريكيون إلى تشي المقاومة الإسلامية.
ويضيف: الغرض من الاغتيال تكثيف الوجود الأمريكي في العراق للحفاظ على السيطرة على احتياطيات النفط في المنطقة، ودعم القوات الوهابية المدعومة من السعودية لدعم سيطرة الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط كدعم للدولار الأمريكي، وهذا هو المفتاح لفهم هذه السياسة الأمريكية.
وأشار اسكوبار إلى أنه إذا قرّرت إيران يوماً إغلاق مضيق هرمز -الذي يطلق عليه الخيار النووي- فإن ذلك سيؤدي إلى كساد عالمي مع انهيار تريليونات الدولارات في المشتقات، ففي هرمز، لا يمكن أن يستمر النقص في إمدادات النفط في العالم بنسبة 22٪. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى انهيار السوق إلى حدّ غير مسبوق من انهيار ألمانيا في عام 1933.
لقد لعب البنتاغون كل سيناريو ممكن للحرب ضد إيران وكانت النتائج كارثية، ثم إن الجنرالات هناك يعلمون أن البحرية الأمريكية لن تكون قادرة على إبقاء مضيق هرمز مفتوحاً: سيتعيّن عليها المغادرة فوراً أو مواجهة الإبادة التامة.
ويختم بالقول: لذا فإن تهديد ترامب بتدمير 52 موقعاً إيرانياً -بعضها يمثل تراثاً ثقافياً لا يُقدّر بثمن- هو خدعة، وإنها علامة التفاخر ببرابرة “داعش”. لقد دمرت طالبان باميان بوذا، وتنظيم “داعش” دمر آثار تدمر تقريباً، وها هو ترامب يريد تدمير الثقافة الإيرانية.
أما سكوت ريتر، فندّد بدوره بهذه الجريمة النكراء، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة هي التي بدأت الحرب وعليها قبول ردود الفعل المناسبة، والحلّ الوحيد الذي قد ينهي فترة الحرب هو أن يتلقى الأمريكيون ضربةً مساوية لتلك التي تعرّض لها الإيرانيون. ومن ثم يوضح ما يمكن أن تتوقعه الولايات المتحدة والشرق الأوسط من طهران، ويقول إن الهجوم سيكون ذا طابع عسكري، ولم يتمّ التخطيط لهجمات على البنية التحتية للنفط والغاز لحلفاء للولايات المتحدة في الخليج، على غرار هجمات الطائرات من دون طيار على منشآت إنتاج النفط السعودية “ارامكو” في أيار الماضي، ولا ضد السفن التي تمرّ عبر مضيق هرمز الاستراتيجي، ولا ضد المنشآت الدبلوماسية الأمريكية في المنطقة. هذا لا يعني أن القوات والمنشآت الأمريكية في العراق ستكون في مأمن من الهجوم، حيث توعّدت القوات والوحدات العراقية بعمليات انتقامية منفصلة عن تلك التي توعّدت بها إيران. ويستطرد القول بأن أوراق إيران قوية وعديدة وبنك أهداف الردّ الإيراني كبير بما يكفي لتكون “الضربة عادلة” في عيون طهران، وعلى رأسها القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج، وعلى وجه الخصوص القوات المتمركزة في الكويت، ومقر الأسطول الخامس في البحرين، وقاعدة العيديد الجوية في قطر التي لها صلة مباشرة باغتيال سليماني، حيث انطلقت الطائرة من دون الطيار التي أطلقت الصواريخ من هذه القواعد. وفي حال كانت في مرمى الصواريخ الإيرانية فسوف تدمّر مئات الملايين من الدولارات، ثمن الطائرات والمعدات، وقد تقتل المئات من الجنود الأمريكيين المرابطين فيها. ويضيف على ذلك أنه إذا ضربت إيران منشأة أمريكية مثل قاعدة العيديد الجوية، وأمر ترامب بالردّ، فمن المحتمل جداً أن تطلق إيران كامل قدراتها العسكرية وقدرة وكلائها الإقليميين على تدمير القدرات العسكرية والاقتصادية للمتضررين. من المرجح أن تشمل هذه الضربات منشآت إنتاج النفط في الكويت والسعودية والإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى المنشآت العسكرية والبعثات الدبلوماسية الأمريكية.
إذا نظرنا إليها من هذه الزاوية، تبدو تهديدات ترامب بالانتقام هي مجرد كلمات لا يمكن تأكيدها في الواقع. يُضاف إلى ذلك ورقة الاتفاق النووي الإيراني، حيث أعلنت الحكومة الإيرانية أنها ستنهي جميع القيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم، وبالتالي إلغاء الصفقة النووية، وفي حال تحقّق هذا الأمر، فهناك أجهزة الطرد المركزي التي يمكن أن تستخدمها إيران لإنتاج يورانيوم مخصب يمكن استخدامه في جهاز انشطاري في منشأة معززة تحت الأرض تقع بالقرب من بلدة فوردو، حيث لا توجد ذخيرة تقليدية في الترسانة الأمريكية الحالية يمكنها تدمير فوردو.
القنبلة النووية B-61 المعدلة هي وحدها القادرة على فعل ذلك، وعلى الرغم من أن قانون الحرب يمكن أن يمنع القادة الأمريكيين من الانتقام، وخاصة ضد المواقع الثقافية، إلا أنه لا يحظر على الولايات المتحدة استخدام سلاح نووي ضد منشأة نووية معروفة والتي تشكل تهديداً للأمن القومي، وهذا هو أسوأ سيناريو للانتقام بين إيران والولايات المتحدة، وهو ليس بعيد المنال كما نظن، يختم سكوت ريتر.