“نافذة مريم” ومضات واخزة توثق الحرب وتقاليد بالية
المفارقة والمقابلة والمقارنة العناصر الأساسية التي اندمجت مع السرد الشائق والإدهاش بالقفلة في المجموعة القصصية للكاتب يحيى محيي الدين –الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب- وتضم مجموعة قصص قصيرة تتخللها أقاصيص قصيرة جداً أشبه بالومضات الواخزة. إذ تميزت لغته السردية بروح شعرية طغت على الحدث في مواضع، وبدت أسلوبية الكاتب بالتركيز على قفلة القصة التي تحمل نهاية غير متوقعة، تترك القارئ في لحظات تخيّل الحالة التي اختُتمت بها القصة. وبنى قصصه وفق خصوصية البناء القصصي للقصة القصيرة جداً القائمة على حدث معين وشخصية واحدة محورية أو مجموعة أشخاص يلتقون بنقطة واحدة، وبالانطباع الذي يتركه للقارئ لفهم المغزى من القصة التي يتخلل الغموض ثناياها حيناً لاسيما بالقصص الرمزية التي ابتعد فيها عن الخطاب المباشر، وبالعقدة التي تمثل ذروة الحدث، وعمل على الإيحاءات والأنسنة في قصص كثيرة.
تعد المجموعة برمتها توثيقاً للحرب الإرهابية التي عاشتها سورية من خلال القذائف والانفجارات الخاطفة المفاجئة، وكل ماحدث من تخريب واستشهاد وقتل الأحلام وملامح الإرهابيين الخفية التي تغلغلت بين الناس.
التنوع القصصي طال العناوين فبعضها أوحى بالمضمون وبعضها الآخر حمل سمة الغموض فابتعد عن الكشف المباشر لأوراق القصة” سخرية- ترقية- أثر الشمعة- مشهد- نهوض- الشرفة – الصمت- إسهاب- سطو- الثعلب”. وتتطرق إلى موضوعات اجتماعية تلازم المجتمع وتدور حول الفوارق الطبقية والفقر والحرمان وعدم تكافؤ الفرص والتقاليد البالية وجرائم الشرف وغيرها، ولكن بقيت الحرب الإرهابية هي محور أغلب القصص، ففي أقصوصة “خبر” رسالة مباشرة عن الصراعات الدائرة بالمنطقة” في محاولة مني لتصويب الأمر، قلت للمشرف على تحرير نشرات الأخبار في المحطات العربية: عندما ترصدون أخبار القتل الجماعي أرجو كتابة( خبر دائم) عوضاً عن خبر عاجل.
ومن القصص الرمزية التي أوحت بالمصالحة والتسامح “الزلزال” حينما اتفق أهالي القرية أن ينسوا الماضي وينظروا إلى المستقبل فقط، ” ذكر العارفون أن الزلزال أصاب الأهالي بمرض غريب أنساهم الماضي تماماً، وجعلهم يحيون في المستقبل فقط”.
ووثق مشهد التخريب والدمار بقصة الشرفة التي وصف بها الأبنية التي أصابها الخراب وهجرها سكانها، وسطا بعضهم لسرقة ما تبقى من الأثاث والأشياء المنزلية كما حدث فعلاً على أرض الواقع، لكن بقي الأمل يلوح في سماء حياتنا بوصوله بالقفلة إلى حضور شابين “وخرجا للتو إلى شرفة مبنى مهجور في الجهة المقابلة لشرفتي غير عابئين بنظراتي الفضولية”. وتابع بحزن سردي انهيار البيوت وآلام الضياع والتشتت في قصة بيتي” بيتي الذي هناك، لم يعد هناك عندما صحا الناس يوماً على صوته وهو يكتب عوضاً عني قصيدة الفراق الطويل، في لحظة عنف جائرة”.
وفي قصص عدة اعتمد على أنسنة الحيوانات والأشياء لإيصال الفكرة برمزية إلى القارئ كما في قصة أرصفة التي بُنيت على المحاورة بين الأرصفة فالأول حزين لارتياده الفقراء والمتسولين، والثاني يفتخر بمرور الحسناوات عليه، أما الثالث” تثاءب رصيف لا يطؤه بشر عاديون” لتأتي المفاجأة في النهاية” كما شوهدت الأرصفة، وهي تفر من دفتر رسم صغير حين تناثر في الهواء إثر انفجار مفاجئ.
وقد تركت الانفجارات المفاجئة بصماتها القاتلة على الأبرياء وهم يمارسون حياتهم اليومية في قصص متعددة، منها قصة بلا عنوان حينما هزّ الانفجار المنزل لتكتشف الأم تورط ابنها مع الإرهابيين” وفي اليوم الثاني صاحت الأم: يا كافر…
أما قصة نافذة مريم التي اختارها الكاتب لتحمل اسم المجموعة وكانت رمزاً لقدسية السيدة العذراء والنقاء والطيبة، تحكي عن مريم الجميلة التي منعها والدها من مغادرة غرفتها لجمالها الزائد كما وصفتها أمها، فاتخذت النافذة ملجأ لها وحينما علم والدها أغلق النافذة، فماتت مريم إلا أن النعش أبى الخروج إلا من النافذة لأنها ضحية التقاليد البالية والعادات القاتلة” والأغرب من هذا، كيف صارت نافذة مريم من تراث أعداء الأمة”.
ملده شويكاني