تجمّعات في أكثر من 80 مدينة أمريكية رفضاً لسياسات ترامب الرعناء
باغتيال الفريق الشهيد سليماني، أراد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كسب تعاطف الأمريكيين ليكونوا عوناً له، ربما في حملته الرئاسية القادمة، كما أراد خلق هوّة بين الإيرانيين وحكومتهم، لكن السحر انقلب على الساحر، فتوحّد الإيرانيون وابتعد هو عن شعبه، وكسب الشعبان تعاطفاً متبادلاً، كما تصاعدت التناقضات والتباينات والانتقادات المتبادلة داخل الإدارة الأمريكية، لتعمّق فشل ترامب.
صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أكدت استمرار حالة التخبّط داخل إدارة ترامب في مواجهة تداعيات جريمة اغتيال سليماني، مؤكدةً أن قراراته المتهورة أدّت إلى فوضى نتج عنها أزمات داخلية وتوترات عالمية، وأشارت إلى أن كلمة ترامب الأخيرة حول اغتيال سليماني تمثّل من نواحٍ كثيرة صوت السياسة المشوّشة، وأظهرت أنه بعد ثلاث سنوات في منصبه لم يَقُم بحل الصراعات فيما يتعلق بالأمن القومي والتي انبثقت من خطاباته وتغريداته على تويتر.
الصحفي الأمريكي فرانك بروني رأى في مقال في الصحيفة ذاتها أنه من غير الممكن تحمّل بقاء ترامب قائداً أعلى للقوات المسلحة، مشيراً إلى أنه يفتقر إلى الخبرة والمصداقية التي تمكنه من دفع الولايات المتحدة إلى حرب، ويضيف: “إنه تم انتخاب ترامب في نوبة من السخرية الطويلة والمبررة إلى حد كبير باعتبارها مقامرة واحتجاجاً ولم يظهر قوة في أي مجال، لكنه تمكن فقط بأن يمثّل نسخة هزلية من ذلك”.
وعلى صعيد صفوف حزب ترامب الجمهوري، أظهرت جريمة اغتيال سليماني تباينات واضحة داخله، حيث انتقد عدد من نوّابه الإحاطة التي قدمتها الإدارة الأمريكية لتبرير الجريمة، فقد وصف السيناتور الجمهوري عن ولاية يوتا مايك لي الإحاطة بأنها الأسوأ خلال 9 سنوات من عمله في مجلس الشيوخ على الأقل بالنسبة للمسائل العسكرية، مشدداً على أن مبررات الإدارة الأمريكية القانونية والواقعية والمعنوية للاعتداء لم ترضه، فيما أكد أحد أعضاء مجلس الشيوخ أنه سيصوّت للحد من صلاحيات ترامب في شن الحرب ضد إيران.
مبررات إدارة ترامب حول الجريمة لم ترضِ أيضاً الديمقراطيين، إذ قال إليوت إنجل رئيس لجنة ذات صلة بمجلس النواب: “لست واثقاً من أنكم ستصدقونني.. هذه هي الإجابة التي ترضيني”، مشكّكاً بوجود سبب ملحّ لجريمة اغتيال سليماني.
وكانت القوة الجوفضائية للحرس الثوري الإيراني أعلنت، قبل يومين، استهداف قاعدة عين الأسد غرب العراق والتي تتواجد فيها قوات أمريكية بموجتين من الصواريخ البالستية، وذلك ردّاً على جريمة اغتيال الفريق سليماني ورفاقه، مؤكدةً أن الصواريخ أصابت أهدافها بدقة.
إلى ذلك، قالت مجلة “نيوزويك” الأمريكية: “إن مجموعة (لا حرب مع إيران) أكدت أن تصرف ترامب المتهور قد عرّض حياة أعداد كبيرة من القوات الأمريكية والعراقية والمدنيين للخطر دون مبرر”.
مراقبون ووسائل إعلام دولية أشاروا إلى التخبّط الذي تعيشه إدارة ترامب، والذي يعكسه اتخاذ القرارات داخل تلك الإدارة ومن ثم التراجع عنها، خصوصاً لجهة تكرار مسألة الإعلان الأمريكي عن الانسحاب من العراق أو سورية ومن ثم التراجع عنها، ما دفع العديد من الأمريكيين للتشكيك بقدرة ترامب على اتخاذ القرارات الصحيحة فيما يخص السياسة الدولية.
إلى ذلك، أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز “بيو ريسيرتش” الأمريكي في 33 دولة حول العالم، وشمل 37 ألف شخص أن ثلثي الأشخاص المستطلعين لا يثقون بقدرة ترامب على اتخاذ القرار الصحيح فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.
وبيّن الاستطلاع الذي أجري في الفترة بين شهري أيار وتشرين الأول من العام الماضي ونشره موقع “رو ستوري” الأمريكي أنه حتى قبل تصعيد ترامب للتوترات مع إيران جراء اغتيال الفريق سليماني قال 64 بالمئة من المشاركين: “إنهم لا يثقون في أن ترامب سيفعل الشيء الصحيح عند اتخاذ القرارات بشأن العلاقات مع البلدان الأخرى”.
كما بيّن الاستطلاع أن 89 بالمئة من الذين شملهم الاستطلاع في المكسيك كانت نظرتهم سلبية تجاه ترامب، بينما قال نحو ثلاثة أرباع المستطلعين في الدول الأوروبية بما فيها هولندا وإسبانيا والسويد وألمانيا وفرنسا: “إنهم غير واثقين في قرارات السياسة الخارجية لترامب”.
في الأثناء، جاءت ردّة فعل الشارع الأمريكي احتجاجاً على اغتيال الفريق سليماني، والمخاوف التي أثارتها هذه الخطوة من نشوب حرب عالمية ثالثة، إذ نُظّمت تظاهرات عدّة جابت شوارع الولايات المتحدة، لمناهضة الحرب ضد إيران والتنديد بالأفعال التي يرتكبها ترامب.
ونظّمت المدن الأمريكية أكثر من 80 تظاهرة لمعارضة اغتيال سليماني، وقرار إدارة ترامب بإرسال 3000 جندي إضافي إلى الشرق الأوسط.
وكانت منظمة “العمل الآن لوقف الحرب وإنهاء العنصرية” التي قادت التظاهرات، أن الحرب ستغمر المنطقة بأسرها ما لم ينهض شعب الولايات المتحدة ويوقفها.
كما تداول ناشطون تغريدات على موقع “تويتر” تؤكد وقوف الشعب الأمريكي إلى جانب الإيرانيين ورفضهم سياسة ترامب، وتلخّص تغريدة الممثّل الأميركي ميشا كولينز والتفاعل الإيراني عليها المشهد، فكتب كولينز باللغة الإيرانية: “نحن الشعب الأمريكي، نعلم أن الشعب الإيراني وثقافته هما من كنوز العالم، نحن لسنا رئيسنا”، ليأتيه الرد الإيراني شاكراً تفهمّه: “نحن نحبّ إخواننا وأخواتنا من الشعب الأمريكي، نحن نعادي السياسيين الشرّيرين مثل ترامب، جون بولتون، بومبيو وغيرهم”.
وفي تغريدةٍ ثانية، اعتذرت مغرّدة أمريكية للشعب الإيراني نيابةً عن تصرفات حكومتها “المضحكة”، مؤكدةً أن ما يقوم به ترامب ليس إرادة الشعب الأمريكي.
في السياق نفسه، أظهر تطبيق “غوغل تراند” التفاعل الكبير على وسم “عزيزتي إيران”، من اليوم الأول للعدوان الأمريكي على العراق واغتيال اللواء سليماني، ووفق التحليلات بلغ التغريد والبحث عن الوسم أعلى نسبه يوم 4 كانون الثاني، أي اليوم الثاني بعد العدوان، ولم يتوقّف حتى هذه الأيّام.
بالمقابل، يؤكد الإيرانيون ومحور المقاومة أن مشكلتهم ليست مع الشعب الأمريكي، مشدّدين على أن المواطنين الأمريكيين غير مقصودين بالانتقام مطلقاً لأن العسكريين الأمريكيين وحدهم المقصودين.
وتتقاطع هذه المواقف مع خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي أكد فيه أن الجيش الأمريكي وحده المستهدف في عمليات الرد على اغتيال الفريق الشهيد سليماني ورفاقه، فرحّب بكل المواطنين الأمريكيين في المنطقة وطمأنهم بأنهم في أمانٍ بين شعوب المنطقة.
بيلوسي: الاغتيال لم يجعل الولايات المتحدة أكثر أمناً
سياسياً، انتقدت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي قرار ترامب الإقدام على جريمة اغتيال سليماني والمهندس، معتبرة أن الولايات المتحدة “لن تكون أكثر أمناً بعد هذه العملية”.
وأعلنت بيلوسي مؤخراً أن مجلس النواب الأمريكي سيصوّت على قرار بشأن تقييد السلطة العسكرية لترامب والحد من الأعمال العسكرية ضد إيران، وجددت انتقادها لترامب، وقالت: “أدى هذا العمل إلى تعريض جنودنا ودبلوماسيينا ومواطنينا للخطر، لأنه أدى لخطر إحداث تصعيد خطير للتوتر مع إيران”، في وقت أظهر فيه ترامب “أنه ليست لديه أي استراتيجية متسقة” بهذا الصدد.
وكانت بيلوسي طالبت في وقت سابق الإدارة الأميركية بوقف الممارسات الاستفزازية ضد الدول الأخرى، مشيرة إلى أنه ليس بمقدور الولايات المتحدة والعالم تحمّل تبعات حرب جديدة.