انتقادات واسعة للحكومة التونسية قبل التصويت عليها في البرلمان
لاقت التشكيلة، التي أعلن عنها رئيس الحكومة التونسية المكلّف الحبيب الجملي، معارضة شديدة حتى قبل طرحها للتصديق عليها في البرلمان، فقد عبّرت كتل برلمانية أساسية عن رفضها الشديد التشكيلة المعلن عنها، وحتى حركة النهضة، التي طرحت اسم الجملي لتشكيل الحكومة، أبدت تحفظات كثيرة على الأسماء التي أعلن عنها الأخير في حكومته.
وأكد رئيس الحكومة التونسي المكلف أنه “لن يتردّد في إجراء تعديلات على تشكيلة فريقه الحكومي حتى بعد التصديق عليها”، وأضاف: إنه سيقوم بذلك “في حال ثبت عدم حصول بعض أعضائه على الشروط التي كان حدّدها والتي هي محل مطالبة من طرف نواب الشعب”، وأشار إلى أنه سيقوم بالتعديلات اللازمة شريطة ألا يُظلم أي شخص.
وتواجه حكومة الجملي مصيراً غامضاً في جلسة تصويت البرلمان على الثقة، اليوم، بعد أن أعلنت أغلب الكتل اعتزامها عدم التصويت لمصلحتها.
وكلّف الرئيس التونسي، قيس سعيّد، منتصف تشرين الثاني، الجملي، تشكيل الحكومة، بعد طرح اسمه من جانب حركة النهضة، التي تصدّرت نتائج الانتخابات التشريعية، في 6 تشرين الأول.
وأكد الجملي أن “الحكومة التي اقترحها مختارة من كفاءات من مئات المرشحين لهذه المناصب، وهم يمثّلون ثلّة من المقتدرين ومنهم الموجودون داخل أرض الوطن والوافدون من الخارج”، وتابع: إنه “اختارها بمقاييس موضوعية، وإن لديه ثقة في فريقه، وبأنه سيكون قادراً على مهمة إدارة الحكم خلال هذه المرحلة الصعبة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ تونس الحديث”، وأشار إلى أنه “لم يتلق أية وثائق رسمية حول ما يقال عن بعض المرشحين، وأن بعض التحريات الأولية.. أثبتت أن ما قيل بشأنهم غير صحيح”.
وقبل أيام أكد رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، شوقي الطبيب، أن هناك عدداً من الوزراء المقترحين من الحبيب الجملي تحوم حولهم شبهات فساد.
ويرى مراقبون أن الجملي ومن ورائه حركة النهضة يعيشان مأزقاً حقيقياً وسط مخاوف من عدم حصول التشكيلة الحكومية على الثقة بعد رفض أغلب الكتل لكثير من الأسماء.
وفي حال فشل حكومة الجملي في نيل الثقة فإن “البديل سيكون الفقرة الثالثة من الفصل (المادة) 89 من الدستور، حيث يكلّف الرئيس شخصية يختارها لتشكيل الحكومة”. وحسب الدستور “عند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، يقوم رئيس الجمهورية، في أجل عشرة أيام، بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية، لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر”.
ويستبعد بعضهم إجراء انتخابات تشريعية جديدة، حيث إن “الأحزاب السياسية غير مستعدة للتفريط في مكاسبها والدخول في مغامرة جديدة”، في إشارة إلى احتمال خسارة مقاعد، إذا أعيدت الانتخابات، بعد أربعة أشهر من التكليف الأول، وفق الدستور.
وفي 22 كانون الأول الماضي، قرر حزبا “التيار الديمقراطي وحركة الشعب، اللذان يشكلان الكتلة الديمقراطية في البرلمان (41 نائباً)، عدم المشاركة في حكومة الجملي، وقال التيار الديمقراطي: إن قراره “يأتي استناداً إلى أن التصور العام للحكومة لا يرتقي إلى مستوى التحديات المطروحة في البلاد”.
أما حركة الشعب، فقالت: إن “العرض المقدّم من الجملي لا يلبي الحد الأدنى مما طلبته الحركة، وبالتالي فإنها غير معنية بالمشاركة في الحكومة”.
وزاد وضع حكومة الجملي تعقيداً بالتحاق كتل برلمانية أخرى، نهاية الأسبوع الماضي، بموقف حزبي “التيار” و”الشعب”، في رفض منح الثقة للحكومة.
وقال نبيل القروي، رئيس حزب “قلب تونس”، الفائز بالمرتبة الثانية في الانتخابات: إن الحزب “ما زال على الموقف نفسه من حكومة الجملي، وهو رفضه لها”، وأضاف: “لم يتمّ التشاور مع حزبه حول التركيبة والأسماء.. تركيبة الحكومة ضخمة العدد، وهيكلتها وتوزيع الحقائق فيها لا تعكس إرادة ناخبي 2019”.
وأعلن الجملي، الخميس الماضي، تركيبة حكومة كفاءات مستقلة من 28 وزيراً و14 كاتباً للدولة.
وعبّرت كتلة حركة “تحيا تونس” وكتلة الإصلاح الوطني وكتلة المستقبل، رفضها منح الثقة للحكومة.
وشككت هذه الكتل في استقلالية أعضاء الحكومة الذين اقترحهم الجملي.
الرئيس السابق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية طارق الكحلاوي، قال: “بالإضافة إلى الكتل غير المشاركة في مفاوضات تشكيل الحكومة، فإن الحزب المكلّف له مشكلة مع رئيس الحكومة”.
ورأى الباحث المختص في الفلسفة السياسية المعاصرة، رياض الشعيبي، أنه “من الصعب الجزم بسقوط حكومة الجملي قبل المرور إلى البرلمان؛ فمفاوضات اللحظات الأخيرة مازالت مستمرة بين القوى السياسية الممثلة في البرلمان”، وأضاف: إن “لقاء حصل بين القروي والجملي، ورغم أنه لم يتسرّب شيء كبير منه، إلا أنها تعتبر محاولة من الجملي لكسب تأييد كتلة قلب تونس”.