ترامب: لا أستطيع الرد؟
في الوقت الذي كان يترقّب فيه العالم ردّ الولايات المتحدة الأمريكية على الصفعة التي وجّهتها لها قوات الحرس الثوري الإيراني، والتي استهدفت قاعدتين جويتين لواشنطن في العراق، بدّد خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي تأخّر أكثر من مرّة عن موعده، أي حديث عن الحرب و”الانتقام”، بل أظهر بشكل لا ريب فيه أن ترامب، الذي توعّد طهران بالويل والثبور إن أقدمت على أي عمل عسكري ضد قوات بلاده، كان ضعيفاً وعاجزاً عن اتخاذ أي قرار، ولا يملك سوى الكذب والتهويل، إذ حاول التقليل من الصفعة الإيرانية، والذهاب إلى قضايا جديدة لكي لا يتحدّث عن لاءاته التي أطلقها على تويتر، فلماذا التراجع؟ هل مرد ذلك أن إيران نفّذت وعيدها بالانتقام، أم أن ذلك عائد إلى الانتقادات الكبرى التي لاحقته من قيادات حزبه الجمهوري وخصومه الديمقراطيين على مغامرته؟.
منذ اللحظات الأولى لاستشهاد القائدين سليماني والمهندس، أكد القادة الإيرانيون حتمية الرد على الوقاحة الأمريكية، وأن دماء الشهيدين ورفاقهما ستكون بوابة العبور لإخراج القوات الأمريكية من غرب آسيا بالكامل، وعليه فقد نفّذ الإيرانيون وعدهم، مؤكدين أن ما قاموا به هو صفعة أولى على خد ترامب وإدارته الإرهابية، وأن الأيام القادمة حبلى بالكثير من الأعمال والعمليات التي ستوصل إلى الهدف المنشود، وأن الكلام الذي سال من إعلام البترودولار، بُعيد دك القاعدتين في عين الأسد وأربيل، ما هو إلا محاولة للتقليل من حجم الضربة التي تلقتها واشنطن وآثارها أمام جمهورهم، فالعملية التي نفّذها الحرس الثوري الإيراني هي الأولى التي تستهدف قاعدة أمريكية بشكل علني ومباشر منذ الحرب العالمية الثانية.
الأمر الثاني، هو أن العملية أظهرت من جديد الانقسام في الداخل الأمريكي حول القرارات الكبرى حول الأمن القومي، حيث اختلفت آراء القادة الجمهوريين أنفسهم بعد الضربة الإيرانية عمّا كانت عليه عقب عملية اغتيال القادة الشهداء، فالمتطرّف الجمهوري ليندسي غراهام هلل لعملية الاغتيال “شكراً سيدي الرئيس” قبل أن يعود ويطالب ترامب بعدم الانجرار وراء الحرب: “إن سياسة الضغط الشديد على إيران يجب أن تستمر دون الحاجة لاستخدام القوة العسكرية”، بينما كان الديمقراطيون أكثر انتقاداً، حيث أكد منافسه على الرئاسة نائب الرئيس السابق جو بايدن أن “ترامب أسوأ من يتولّى قيادة القوات المسلحة الأمريكية على الإطلاق”، وبالتالي الأهداف التي توخاها ترامب من العملية الإرهابية في بغداد سقطت، أولاً لجهة ضمان الحصول على نقاط إضافية في معركة الانتخابات الرئاسية القادمة، والثانية بما يتعلق المساءلة أمام مجلس الشيوخ.
وفيما يخص انكفاء ترامب عن الرد، هناك أو آخر يتعلق بحلفاء واشنطن في المنطقة، فالقادة الإيرانيون أكدوا أن رد واشنطن على ردهم سيقودهم إلى استهداف المكان الأعز على قلب ترامب، في إشارة إلى الكيان الصهيوني، فقادة العدو الذين كانوا عرابي العملية الأمريكية الوقحة في بغداد، وبعد أن تبرؤوا من العملية أمام عدسات الإعلام، ضغطوا على ترامب، ودفعوه إلى عدم الرد بعد الكلام الإيراني الواضح باستهدافهم.
لعقود مضت بقيت الولايات المتحدة الأمريكية القطب الأوحد في العالم، تقتل وتدمّر وتغتال وتحاسب الدول وفق ما تريد وترغب، وبما يحقق مصالحها أولاً، واليوم وبعد الجريمة النكراء التي ارتكبتها، جاء الرد الإيراني ليؤكد صراحة أن واشنطن في زمن الأفول، وأن عنجهيتها تساقطت على أيدي المقاومين الشرفاء الذين سيواصلون ذلك حتى تطهير المنطقة من رجسها وأفعالها.
سنان حسن