اقتصادصحيفة البعث

أرباح المصارف خسائر في الإنتاج

 

المصارف الرسمية الحكومية المعهودة /التجاري والعقاري والصناعي والزراعي والتسليف الشعبي والتوفير/ تمارس نشاطها منذ عقود، وكان لقروضها خدمات إنتاجية وخدمية واستهلاكية مشهودة، وقد حققت -وما زالت- أرباحاً سنوية تصب في الميزانية العامة للدولة، ولكن نهج اقتصاد السوق الاجتماعي، الذي حاول بعضهم تفسيره وتحويله، ليكون مدخلاً لاقتصاد السوق الحر، أسفر عن الترخيص لعشرات المصارف الخاصة العائدة لأكثر من طرف دولي ومحلي بالتوازي مع المصارف الحكومية.
من يقارن بين زحمة العمل في ردهات النوعين من المصارف، التي هي كبيرة في الحكومية بما يقارب ضعف ما هي في المصارف الخاصة، وبين تكاليف الديكور والأثاث المستخدم في المداخل والغرف والمعدات وأجور العاملين في المصارف الخاصة، التي هي تقارب ضعف ما هي في الحكومية، يستغرب حجم الأرباح الكبيرة التي تحققها الخاصة قياساً إلى أرباح الحكومية، فخلال العشرة أشهر الأولى من العام الفائت تجاوزت أرباح أحد المصارف الخاصة الـ4.5 مليارات ليرة، وتجاوزت أرباح مصرف خاص آخر /3/ مليارات ليرة، في حين اقتصرت الأرباح المحققة في أحد المصارف العامة الكبيرة خلال العام الماضي على مليار ليرة سورية، وإن كانت أرباح المصارف الحكومية تصب في الميزانية العامة للدولة، فأرباح المصارف الخاصة تصب في جيوب مودعيها، وعلى الأغلب يخرج قسم منها إلى خارج القطر.
أليس من حق المراقب المتابع المهتم أن يتساءل..؟ لماذا عشرات المؤسسات الإنتاجية والإنشائية، تخسر عشرات المليارات من الليرات السورية، وبعضها مدين لأكثر من طرف، ويشكو من صعوبات متعددة، أو توقف كلياً عن العمل منذ سنين، وما زال يشكو من تعثر وقصور الإصلاح المنشود، بالتوازي مع عشرات مليارات الأرباح التي تحققها المصارف، التي تحظى بالمزيد من التسهيلات لتوسع عملها عاماً بعد عام، وخزائن أغلبها مليئة بما يفيض عن حجم الإقراض، الذي يشكو محتاجوه من فوائده العالية، وقيوده التي تحدّ منه.
من المؤكد أن وجود المصارف الخاصة حاجة مستجدة، وأصبحت تشكّل حالة تكاملية خدمية مع المصارف الحكومية، ما يجعل من المقتضى أن يرافق هذا التكامل الخدمي تنافس إنتاجي، بين المصارف الحكومية والخاصة، وفيما بينها ضمن كل مجموعة، هذا التنافس الذي يجب أن يظهر في خطين متوازيين يعمل بهما، بموجب صدور توجيه –بل تشريع رسمي– يقضي بالتالي:
1 – إلزام جميع المصارف التنافس فيما بينها عبر منح المزيد من العوائد للمودعين، بغية تشجيع المزيد من الإيداع، بل تشجيع سحب الإيداعات الخارجية، إلى جانب تخفيف فوائد الإقراض على القروض الإنتاجية، بحيث تكون أقل من فوائد الإيداع مع المزيد من التسهيلات.. ما يدفع باتجاه المزيد من القروض الإنتاجية، شريطة المتابعة الميدانية لضمان استخدام القروض الإنتاجية فعلياً في عمل إنتاجي، ولا يمنع الاكتفاء بالفوائد الحالية على القروض الاستهلاكية، مع التخفيف -ما أمكن- من فوائد القروض الخدمية.
2 – أن يلزم كل مصرف حكومي أو خاص باستثمار قسم من إيداعاته في إحداث منشآت إنتاجية زراعية وصناعية، أو استنهاض بعض المنشآت والمشاريع المتعثرة، لنرى قدرة هذه المصارف على تحقيق أرباح إنتاج من استثمار أموالها كقدرتها على تحقيق أرباح إقراضها للغير، وليتبين لها معاناة المقترضين في استثمار قروضهم، ولتتلمس بعض أعذارهم حال تخلفهم عن تسديد بعض الأقساط.
من المفيد جداً أن تسارع السلطات الرسمية لدراسة الحيثيات اللازمة لإصدار هذا التشريع، وأن تكون المصارف الحكومية سباقة في اعتماده، ما يدفع المصارف الخاصة بالاتجاه نفسه، وسيترتب على ذلك تهافت الكثيرين لإحداث المزيد من المشاريع الإنتاجية إثر تخفيض فوائد الإقراض، إضافة إلى إحداث المشاريع الإنتاجية العائدة للمصارف، التي سينعكس إنتاجها إيجاباً على الميزانية العامة للدولة، أكثر بكثير من انعكاس الأرباح الكبيرة التي كانت تحققها المصارف.
إن الوضع الحالي للمصارف، يحفّز الإقراض الاستهلاكي، ويحدّ من الإقراض الإنتاجي، وما تحقّقه من أرباح كبيرة، يحفز للمزيد من التوسع فيها، وينعكس خسائر على الإنتاج العام بشكل غير مباشر، ومن المفترض أن تعوّض انخفاض أرباحها من الإقراض، من خلال أرباحها المحققة في مشاريعها الإنتاجية.

عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية