الاغتيالات والقانون الدولي
قسم الدراسات
في عصر الغارات الجوية وعمليات القتل الموجهة باستخدام طائرات بدون طيار، اُستبدلت المعارك والحروب الكبرى واسعة النطاق بعمليات القتل الموجهة، وبقيام الولايات المتحدة باغتيال قاسم سليماني، القائد العسكري الإيراني البارز، والذي وصفه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبو بأنه “عمل دفاعي” صعدت الولايات المتحدة حربها مع إيران بشكل كبير.
في الحقيقة يعلم كل من يتابع سياسة الولايات المتحدة الخارجية، مدى كذب مزاعم بومبيو. ومن المؤكد أن ارتكاب الولايات المتحدة هذا العمل العدواني هو انتهاك لقانون حقوق الإنسان.
العدوان في عصر الحرب بالطائرات المسيّرة
جرى تعريف العدوان في الأصل في محكمة نورمبرغ، ثم تم تدوينه لاحقاً جزئياً بموجب قرار الجمعية العامة رقم 3314 و المحكمة الجنائية الدولية. وتستخدم المحكمة الجنائية الدولية تعريفاً للعدوان المنبثق عن القانون العرفي الدولي، والذي يحظر عموماً الغزو أو الهجوم بالقوات المسلحة لدولة ما ضد أراضي دولة أخرى من خلال قصف دولة أو حصار موانئها أو سواحلها أو إرسال وكلاء أو قوات شبه العسكرية.
هناك تعريفان مهمان للمحكمة الجنائية الدولية للعدوان وثيقا الصلة هنا. أولاً ، يمكن أن يكون عمل العدوان “هجوماً تقوم به القوات المسلحة لدولة ما على القوات البرية أو البحرية أو الجوية أو الأسطولين البحري والجوي لدولة أخرى” أي مهاجمة جيش دولة أخرى، ومن المؤكد أن اغتيال سليماني يقع تحت هذا التعريف، إذ أنه كان مسؤولاً عسكرياً رفيع المستوى في إيران.
في عصر عمليات القتل الموجهة بطائرات مسيّرة، أصبح جزء كبير من العالم ساحة معركة، تم- على نطاق واسع- استبدال الآلاف من القوات في أراضي العدو، أو الحرب باستخدام دبابة في مواجهة دبابة بطلقة واحدة ضد قيادة الجهات المتنافسة سياسياً. هذا التعريف للعدوان واضح بما فيه الكفاية ليشمل الطائرة المسيّرة من طراز ام كيو – ريبر التي استخدمتها الولايات المتحدة لاغتيال جنرال من القوات المسلحة لدولة أخرى.
ويحدد التعريف المهم الثاني للمحكمة الجنائية الدولية العدوان بأنه ” قيام دولة ما باستعمال قواتها المسلحة الموجودة داخل إقليم دولة أخرى بموافقة الدولة المضيفة على وجه يتعارض مع الشروط التي ينص عليها الاتفاق، أو أي تمديد لوجودها في الإقليم المذكور إلى ما بعد نهاية الاتفاق”.
وبعبارة أخرى، إن قيام القوات المسلحة الموجودة في بلد طرف ثالث بصفة قانونية بالتصرف بصورة غير قانونية وبشكل ينتهك الاتفاق قد يشكل عدواناً. وهذا أمر ذو أهمية، حيث يكون وجود القوات الأمريكية في العراق بشكل قانوني فقط بناء على دعوة من الحكومة العراقية، وقد وصف رئيس الوزراء العراقي بالفعل العدوان بأنه “انتهاك صارخ للشروط التي تسمح بوجود القوات الأمريكية” على الأراضي العراقية.
إذن، بموجب التعريفين الواضحين للمحكمة الجنائية الدولية، فإن الولايات المتحدة ارتكبت عملاً عدوانياً ضد إيران في اغتيال سليماني.
وقد وصفت محكمة نورمبرغ العدوان بأنه جريمة دولية “عليا” بموجب القانون الدولي.
المعيار الصارم للدفاع “الاستباقي”
عن النفس
على الرغم من زعم المسؤولين الأمريكيين أن الهجوم على سليماني كان عملاً دفاعياً عن النفس، فمن من الصعب للغاية تحقيق المعيار القانوني الدولي إذ أنه بموجب المادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة، فإنه لا يُسمح بانتهاك السلام الدولي إلا عندما يأذن بذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو يتم في حالة دفاع عن النفس، والدفاع عن النفس يعني صد هجوم مسلح.
وفيما يتعلق بالدفاع عن النفس “الاستباقي” ، فإنه ينبغي على الدولة التي تشن الهجوم الأول أن تستوفي ما يُعرف قانونياً بـ” اختبار كارولين المشدد” الذي يتطلب أن تكون ضرورة الدفاع عن النفس “فورية وشديدة، ولا تترك أي خيار للوسائل، ولا وقت للتداول”. ولذا، لا يمكن تبرير اغتيال سليماني قانونياً كعمل للدفاع عن النفس، كما زعم بومبيو، مع غياب الأدلة على مثل هذا الهجوم الاستثنائي ضد الولايات المتحدة.
انتهاكات لحقوق الإنسان
إن تبرير استخدام القوة المميتة بموجب قانون حقوق الإنسان يتطلب تحليلاً مشابهاً يوضح أن القتل كان ضرورياً تماماً للحماية من تهديد وشيك للحياة. وقد أوضحت أغنس كالامارد ، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، هذه النقطة بالذات.
في الحقيقة، تعود التوترات بين الولايات المتحدة وإيران إلى عام 1953، عندما أطاحت الولايات المتحدة بحكومة مصدق المنتخبة ديمقراطياً. وفي الآونة الأخيرة ، انسحبت الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة ، وفرضت بدلاً عن ذلك عقوبات مشددة جديدة ضد إيران.
يمثل اغتيال سليماني أخطر تصعيد قامت به الولايات المتحدة مؤخراً ضد إيران، وبموجب ميثاق الأمم المتحدة ، يقع على عاتق والولايات المتحدة التزام قانوني بتسوية نزاعاتها مع إيران سلمياً. وبصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تتمتع الولايات المتحدة بالقدرة في أي وقت على مناقشة التهديدات ضدها. بينما اختارت عدم القيام بذلك، وبدلاً من ذلك استخدمت القوة غير القانونية بشكل شبه مؤكد ضد دولة أخرى عضو في الأمم المتحدة، الأمر الذي سيؤدي إلى عواقب وخيمة عاجلاً أم آجلاً.