“سبل العيش”!
“لم تنقطع سبل العيش بعد”، مقولة يرددها الناس في كل مكان، ويتمسكون بمضمونها، ويحاولون إرساء كلماتها على أرض الواقع وداخل يومياتهم، ويحاولون إقصاء التشاؤم بوسائل وطرق مختلفة، وفي مقدمتها تفعيل الحالة المجتمعية المتماسكة التي تتفاعل نتائجها في يوميات الناس رغم كل الظروف والتحديات المعيشية الصعبة والضاغطة على حياة الناس لتخفف من الأعباء، وتحد من تداعيات الواقع، فالحاضنة الاجتماعية المتكافلة والمتضامنة داخل المجتمع، والمبادرات الخيرية تؤمن بعض الاحتياجات المعيشية التي تساهم لحد معين في سد الثغرات وردم الهوة بين الدخل المتواضع للكثير من العائلات وواقع الحياة الفعلي، ورغم بساطة ما يقدّم، لكنه بحسب النتائج كاف لتجنب العوز والحاجة وتحقيق “السترة” التي كانت هدفاً مشتركاً بين الناس الذين يعتنقون فكرة (إذا كان جارك بخير فأنت بخير)،
ومن الضروري العمل على استثمار الحالة الإيجابية التعاضدية التي نعتقد أنها تمثّل الصورة الحية للمجتمع من خلال إيجاد علاقة تعاونية صحيحة بين مديريات وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ومؤسسات المجتمع الأهلي، وخاصة في هذه الأيام المجروحة بالفقر، وبشكل يؤدي إلى إيقاف النزيف الخيري المستمر الذي تسببه الاتكالية المفرطة على المؤسسات الخيرية التي تزداد مسؤولياتها نتيجة للحالة الانشطارية المتواصلة داخل المجتمع، وتحديداً لجهة زيادة عدد المحتاجين، وغياب المعايير الواقعية للفئة الأشد حاجة، فالطوابير الطويلة المتمسمرة أمام مقار الجمعيات الخيرية والهلال الأحمر تدين الفقر، وتشوّه الحقيقة، خاصة عند التدقيق في الهوية الاقتصادية المعيشية للحاصلين على المعونة والمساعدات المختلفة، أو السلة الغذائية بغير وجه حق، والمقصود هنا أولئك المتخفون بزي الفقر والحاجة، والذين باتوا بمساعدة بعض ضعاف النفوس أكثر وقاحة وحضوراً على أبواب الهيئات الخيرية لسرقة حصص الفقراء الحقيقيين تحت عنوان: “نازح أو متضرر، وغيرها من التسميات”، رغم امتلاكهم لكافة مقومات الحياة الجيدة،
ولا شك أن تفاقم حالة الكسل المجتمعي، وغياب الإدارة الناجحة للموارد العائلية بات المشهد الأقوى في الحياة العامة، وهذا ما يفرض على الكثير من الناس التدقيق أكثر في تفاصيل يومياتهم، وتوجيه البوصلة الحياتية المعيشية بشكل عقلاني نحو قراءة المستجدات والحياة بشكل آخر، واتخاذ الكثير من الإجراءات التي تدعم التعاون، والامتثال للأخلاق والقيم ضمن دائرة التكافل الاجتماعي، ولا شك أن الاستمرار بنهج الاتكال الكلي على إمكانيات المؤسسات المعنية والخيرية، وما تقدمه للمواطن، هو خط قاتل للجهود المبذولة في مشروع الإنقاذ المعيشي، ومن الضروري تفعيل المبادرات الذاتية الإنتاجية داخل المجتمع، وفي المقابل على أصحاب رؤوس الأموال المشاركة بقوة في عمليات الإنقاذ الحياتي، حيث يكون هناك عمل جماعي للخروج من أزمة الواقع المعيشي الحالي بأسلوب اقتصادي جديد ومتوازن وقائم على أسس اجتماعية عنوانها العريض الاحترام والتكافل الاجتماعي، والعبور إلى المرحلة القادمة من بوابات التشبيك المجتمعي في جميع المجالات؟.
بشير فرزان