إثر تعرّض المحاصيل الزراعية للعديد من الأضرار الكبيرة.. دراسة رسمية توصي بالعمل على تشجيع زراعة الأصناف المقاومة للعوامل المناخية
قد يؤدّي انخفاض منسوب المياه في نهري دجلة والفرات –حسب التقديرات- إلى انخفاض المساحة المروية ، وهو ما سيمثل خسارة سنوية بالغة في المنتجات الزراعية، وذلك وفق ما أكدته دراسة رسمية صادرة عن المركز الوطني للسياسات الزراعية، كما أن الانخفاض سوف يؤدي إلى ارتفاع تكلفة ري المحاصيل بواقع 5 مليارات ليرة سورية بما فيها ارتفاع تكلفة تعميق الآبار الزراعية والتكاليف الإضافية المرتبطة بالضخ.
إجهاد مائي
وأشارت الدراسة التي حملت عنوان “التغيرات المناخية وأثرها على إنتاجية بعض المحاصيل في سورية”، إلى أن أثر تغيّر المناخ على زراعة القمح المروي باستخدام أنموذج (CROPWAT) المدعّم بالمعطيات المناخية في محافظة الحسكة، حيث تم حساب الاحتياجات المائية للقمح المروي وبلغت 563 ملم، بينما قدّر الاستهلاك المائي الفعلي للمحصول بنحو 402 ملم، وبالتالي فإن الفرق بين الاحتياج المائي والفعلي يبلغ 161 ملم، وهذا يدلّ على تعرّض القمح في ظروف الزراعة الحالية للإجهاد المائي، الأمر الذي يسبب انخفاضاً في الإنتاجية قدره 30% مع الإشارة إلى أن متوسط الإنتاجية الفعلي الحالي يبلغ 305 طن/هكتار، بينما يمكن أن تصل الإنتاجية إلى 5 أطنان/هكتار.
وأوضحت الدراسة التي اطلعت عليها “البعث”، أن الإنتاج الزراعي والحيواني يتأثر تأثراً مباشراً بالظروف الجوية، وتؤثر التغيّرات المناخية بشكل ملموس ومباشر في إنتاجية المحاصيل من خلال التغيرات في معدلات الهطل المطري وارتفاع درجات الحرارة ما يؤثر في الأمن الغذائي في بعض المناطق من خلال النقص في الأراضي الزراعية، حيث تتوقف إنتاجية المحاصيل الزراعية بشكل حاسم على التوزيع الزماني والمكاني لهطل المطر، كما تتوقف على توافر المياه للري، وتواجه نظم الإنتاج في المناطق الحدية فيما يتعلق بالمياه زيادة في سرعة التأثر بالتقلبات المناخية والمخاطر التي ينطوي عليها تغير المناخ، كما تشكل التغيرات المناخية أحد أهم التهديدات للتنمية المستدامة على الدول الفقيرة والنامية على الرغم من كونها لا تساهم بنسبة كبيرة من إجمالي انبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري، وبسبب هشاشة اقتصادات هذه البلدان في مواجهة تهديدات التغيرات المناخية للضغوط المتعددة التي تضاف إلى قدرات تكيف ضعيفة، فإنها ستكون من أكثر المناطق عرضة للتأثيرات المحتملة للتغيرات المناخية العالمية وتفاعلاتها المختلفة التي تشمل ازدياد حدة التصحر وشح الموارد المائية وتغيّر معدل الهطل المطري والتطرف في درجات الحرارة، التي يترتب عليها تدهور في الموارد البيئية والطبيعية، ولا تخرج المنطقة العربية بما فيها سورية عن السياق السابق بحكم امتدادها الجغرافي وبفعل تباين بناها الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى تدهور الموارد الطبيعية، وذلك على الرغم من أنها ليست مساهماً رئيسياً في انبعاث غازات الاحتباس الحراري.
استنتاجات
وخلصت الدراسة إلى استنتاجات أبرزها تعرض المحاصيل الزراعية للعديد من الأضرار الكبيرة سواء من ناحية تضرر المساحات المزروعة أم تضرّر كميات الإنتاج، وذلك نتيجة العديد من الظواهر المناخية التي تباينت في تكراريتها وشدتها، ويأتي الصقيع في قائمة الظواهر المسبّبة للأضرار من حيث متوسط المساحة المتضررة سنوياً، ومن ثم يليه ارتفاع درجات الحرارة والأمطار الغزيرة والبرد، إضافة إلى تذبذب إنتاجية العديد من المحاصيل البعلية خلال فترة الدراسة 2000-2016، واختلفت من عام إلى آخر ومن محافظة إلى أخرى، كما انخفضت إنتاجية المحاصيل بشكل واضح خلال السنوات الأكثر جفافاً 2008 و2014، وهذا قد يعود إلى تأثير العوامل المناخية من جهة ويرتبط بعوامل أخرى لم تتم دراستها من جهة أخرى، وأشارت الدراسة إلى أنه من خلال دراسة تأثير كل من متوسط الهطل المطري السنوي والمتوسط السنوي لدرجات الحرارة والتأثير المشترك في المحاصيل البعلية تبيّن وجود تأثير معنوي لهذه العوامل في إنتاجية تلك المحاصيل، ووصل تأثير هذه العوامل إلى 27.6% في محصول القمح البعل، و29.6% في محصول الشعير البعل، و19.3% في إنتاجية البطاطا البعل، و9.5% في إنتاجية الحمص البعل، و4.9% في إنتاجية العدس البعل.
الأكثر تضرّراً
وتطرّقت الدراسة إلى أبرز الأضرار حسب المساحة ونسبة الضرر خلال الفترة الزمنية من 2006 حتى 2017، مبيّنة أن المساحات الأكبر التي تضررت فيها المحاصيل المزروعة نتيجة لارتفاع درجات الحرارة تتوزع بين كل من حماة وحمص ودرعا وريف دمشق وإدلب، حيث بيّنت التقارير الصادرة عن مديرية الاستمطار تعرّض 48,583 هكتاراً من القمح في محافظة إدلب لضرر بلغت نسبته 13% نتيجة لارتفاع درجات الحرارة عام 2006، وفي عام 2006 أدّى ارتفاع درجات الحرارة إلى ضرر على الأشجار المثمرة بنسبة 40% في حمص بنسبة 50% (27296 هكتاراً)، وأيضاً أدّى ارتفاع درجات الحرارة إلى أضرار في الأشجار المثمرة في حمص بنسبة 50٪ (19367.8 هكتاراً في عام 2015)، أما بالنسبة للأمطار الغزيرة فقد أدّت إلى ضرر بنسبة 25% (محاصيل لم يحدّد نوعها بمساحة 2230 هكتاراً) في 2009.
أما الصقيع فقد أدّى إلى تضرّر 173623 هكتاراً في 2010 في محافظة حلب بنسبة ضرر قدّرت بـ15% (على محاصيل لم يحدّد نوعها)، وأيضاً في 2010 في ريف دمشق أدّى الصقيع إلى ضرر 11152 هكتار أشجار مثمرة بنسبة ضرر وصلت إلى 93%.
وبالنسبة للرياح الشديدة التي تكرر حدوثها 45 مرة خلال الفترة المذكورة فإن أبرز ما سببته من أضرار هو تضرر مساحة 1384 هكتاراً مزروعة “خضاراً متنوعة” بنسبة ضرر 60% وذلك في محافظة طرطوس عام2011، وفي محافظة السويداء تضرّر 1063.29 هكتاراً من الأشجار المثمرة بنسبة ضرر وصلت إلى 32.5% عام 2015 بسبب الرياح الشديدة. وبالنسبة للبرد فقد كان منه لمحافظة حماة النصيب الأكبر من حيث المساحة المتضررة خلال الفترة المذكورة حيث شمل الضرر 17226 هكتار أشجار مثمرة بنسبة ضرر 20%.
وحصلت الأضرار التي تم ذكرها خلال الفترة من 2006 حتى 2017 ليس بمفردها فقط بل حدث العديد منها مترافقاً بعضه مع بعض، فعلى سبيل المثال سجّل حدوث الصقيع والبرد معاً أو الأمطار المترافقة مع الرياح أو مع البرد، ما أدّى إلى أضرار في المحاصيل الزراعية، ومن الجدير أيضاً تعرّض مساحة 39.4 هكتار خضار متنوعة في محافظة طرطوس لضرر 57.5% نتيجة لفيضان نهر السن في عام 2012، كما أدّى غمر مياه سد الثورة في العام نفسه إلى ضرر نسبته 30% (9.6 هكتارات من الأشجار المثمرة) في محافظة اللاذقية.
توصيات
وعرضت الدراسة جملة من التوصيات المتمحورة حول التركيز على موضوع الإنذار المبكر عن الكوارث الطبيعية وتفعيله بشكل أكبر من خلال نظام الاستشعار عن بعد GIS واتخاذ الإجراءات المناسبة للحد من الخسائر الكبيرة التي تسببها الظواهر المناخية المتطرفة، والعمل على تشجيع زراعة الأصناف المقاومة للعوامل المناخية مثل الأصناف المقاومة للجفاف والملوحة، وتشجيع الزراعة الحافظة والزراعة الذكية المتوافقة مع التغيرات المناخية والبيئية، وكذلك اتخاذ الإجراءات والتدابير الكفيلة لمواجهة الصقيع، والأمطار الغزيرة والبرد والرياح الشديدة، وذلك لكثرة تكرارها بشكل شبه سنوي وكبر المساحات المتضررة نتيجة حدوثها.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com