الهجوم على إيران صراخ امبراطورية تحتضر
ترجمة وإعداد: عائدة أسعد
في مؤتمره الصحفي يوم الأربعاء الماضي بدا دونالد ترامب مختلاً ومتناقضاً ومراوغاً فقد قال: “لن يسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي مطلقاً ولن ندع ذلك يحدث أبداً”. في الحقيقة، يحاول ترامب إخفاء نواياه في الإساءة لإيران ومناشدته الناتو طلباً لمساعدة ذلك الحلف الذي سخر منه ذات يوم. ما يعني أننا نشهد أيام هيمنة أمريكا على العالم تلفظ أنفاسها الأخيرة.
الحليف الجمهوري لترامب مايك لي وصف المؤتمر الصحفي حول إيران بالقول: “إنه أسوأ بيان صحفي يخص قضية عسكرية أشهده خلال تسع سنوات من عملي في مجلس الشيوخ”.
جميع الامبراطوريات، بالغت بهدفها المعلن ولكنّها هزمت، فعلى سيبل المثال الامبراطورية البريطانية لم يكن لديها الحق ولا الحاجة لغزو الأجزاء البعيدة من آسيا والشرق الأقصى وشرق إفريقيا وقد هزمتها تلك البلدان، والولايات المتحدة ادّعت الحق في التدخل في مسارح متنوعة مثل أمريكا الجنوبية والشرق الأقصى وشرق إفريقيا ومجموعة من الدول العربية وكانت تبريراتها مختلفة بين الانتقام والردع إلى الدفاع عن النفس ونشر الديمقراطية.
هل تكون نوايا الولايات المتحدة نبيلة عندما تقتل طائراتها شخصا ما في مكان ما؟ وترامب الذي كرّرالتأكيد للكونغرس في شباط العام الماضي أن الدول العظمى لا تخوض حروباً لا نهاية لها وحان الوقت لإحلال السلام، أعلن الانسحاب من سورية والانسحاب مبدئياً من أفغانستان ولكنه مازال موجوداً هناك والولايات المتحدة مازالت تخوض ستة حروب في البلدين إضافة إلى العراق واليمن والصومال وليبيا ولا يمكن لأحد أن يتصور علاقة وجودها في تلك البلدان بمسألة أمنها.
تتمسك الامبريالية بالسياسة فعلى الرغم من الصيحات بالانسحاب تحارب من أجل البقاء كفرصة للمجد فقد قاتل الوزراء البريطانيون في الخمسينيات والستينيات للاحتفاظ بـ مدينة عدن وكينيا وقبرص وها هو بوريس جونسون يحنّ الآن لحمل الناقلات إلى الشرق الأقصى ويبدو أن الشبح الامبراطوري يتسلل من الهند إلى داونينغ ستريت ليلاً.
لقد استند عشرون عاماً من التدخلات الغربية في العالم إلى كذبتين الأولى هي أن الإرهاب يشكل تهديداً وجودياً للديمقراطيات الغربية ما يؤثر على استقرارها والأخرى هي أن التدخل يبعد ذلك التهديد ويفرض الطاعة والديمقراطية على الدول الضحية وذلك ما شهدناه في غزو العراق عام 2003 ، فبأي حق كان ذلك؟
إن التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة غير أخلاقي وهو محظور على وجه التحديد بموجب الفصل الأول من ميثاق الأمم المتحدة ومن المفترض أن هذا الحظر قد تم تجاوزه بسبب مسؤولية حماية طوني بلير التي ذكرها كثيراً، ولكن مع تزايد الخسائر البشرية أصبحت الحماية مجرد غطاء للحروب المستمرة للعدوان الغربي وهذا هو السبب وراء غياب الأمم المتحدة عن هذه التدخلات كما قال جورج بوش “أنا أترك الأمم المتحدة للمحامين”.
المسألة الآن ليست ما إذا كان بإمكاننا زرع زهور الديمقراطية في الحقول التي غمرناها بالدم إنها في كيفية الخروج من الجحيم ومشهد ترامب الصاخب ضد إيران وفرض عقوبات جديدة عليها يشبه المشهد الأخير للأوبرا المأساوية التي بدا فيه رجلاً محاصراً.
لعب رئيسان أمريكيان دوراً مهماً في زوال الامبريالية البريطانية ، فقد أخبر فرانكلين دي روزفلت ونستون تشرشل أن مشاركة الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية كان شريطة أن تحل بريطانيا امبراطوريتها فالولايات المتحدة لن تدافع عنها، و جون فوستر دالاس الذي أصبح فيما بعد وزيراً للخارجية الأمريكية قال في عام 1945 أن “المستعمرة الأولى حصلت على الاستقلال” من بريطانيا متوقعاً، أن تتبعها المستعمرات الأخرى وقد ردّد دوايت آيزنهاور هذه النصيحة بشدة في عام 1956 بشأن غزو بريطانيا للسويس.
وهاهم السياسيون العراقيون ينضمون للسياسة المعادية للامبريالية بمطالبتهم بسحب القوات الأمريكية من أراضيهم وكل ما يستطيع فعله ترامب هو الرفض على الرغم من تعهده سابقاً بفعل ذلك. حتى في زمن انعدام الأمن فإن 17 عاماً من الاحتلال الأمريكي قد ترك العراق يائساً من نهايته وهو يعلم أنه يجب عليه أن يعيش في سلام مع جارته القوية إيران ، وهذا يتطلب ألا يكون أداة للشفافية الرئاسية الأمريكية وبالمثل يجب على أفغانستان إيجاد استقرار خاص بها مع طالبان ومع جارتها باكستان.
أما بالنسبة لبريطانيا، فإن زحفها الذي دام 20 عاماً تحت ذيل واشنطن من قبل بلير وديفيد كاميرون وحالياً بوريس جونسون ليس إلّا مذلّة ومكلفة وعليها أن تأخذ بنصيحة صديق قديم ونزيه يوازي تاريخها مع مأزق الولايات المتحدة. وبدلاً من ذلك عليها أن تتجنب التذلل لأحد كمتسلل ينتظر المكافأة وصفقة تجارية غير قابلة للتصديق بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
عندما تنهار الامبراطوريات تحدث الأشياء وقد يهزّ اغتيال ترامب لقاسم سليماني كل مشارك في هذه اللعبة ليدرك أنها عملية غير مجدية والرئيس الأمريكي رجل الردود العاطفية وغير المتوقعة يمكنه بالفعل الانسحاب من العراق وتركه منفصلاً عن كردستان وعقد صفقة مع طهران، ويمكنه ترك السوريين لتقرير مصيرهم، وترك أفغانستان تحت رحمة إسلام آباد وأن لا يكون في النهاية لبريطانيا أية علاقة على الإطلاق بهذه الفوضى.