الوهم عند غانم بوحمود: شامان ودينكشوت وجهان للبحث
كما هي العادة في معظم الروايات العالمية تبدو المقدمات صعبة على التلقي، ما لم يدخلك الروائي بالسرد، وبالكشف بصورة مبكرة عن مخطط البناء، أو تقديم البطل في لحظة حاسمة، وربما فاصلة ما بين الخير والشر، الموت والحياة، الفضيلة والرذيلة.
في رواية شامان للشاعر غانم بوحمود صفحات عميقة من البحث عن المعرفة، لذلك حركت الرواية العقل، وخاطبته أكثر مما خاطبت الغرائز كما في كثير من الروايات. وقد نأت بنفسها عن المشاهد الحسية والتي تدخل في باب (هيك الجمهور بدو). وهي رحلة عقلية فكرية ثقافية تعدت المكان ولم تقترن بالزمن، مع أن الأمكنة محددة، جبل شان، وسدرين، وغاية الرحلة هي الوصول إلى كهف سدرين.
وكيف لشامان الذي دفعته أمه من أجل معرفة هذا الكهف أن يصل إلى ذلك؟ كان عليه أن يتحمل مشاق السفر وضنك العيش، في قرية سبقه إليها كثيرون، وأن يتوافر لديه النفس الطويل الذي يتطلبه البحث والتقصي والتحري عن مكان لم يسبق لأحد أن فاز بالإحاطة الكاملة به.
سيظل كهف سدرين غاية ربما لا تدرك، لكن السبيل الذي سلكه شامان هو أحد أهم الطرق للتعامل مع الحياة بروح عالية من التصميم والإرادة والعزم.
أما الحوارات التي كانت مع أبطال الرواية فهي أيضا غاية، وإن بدت وسيلة لنقل هذا الكم الهائل من الأسئلة.
الفلاح والراعي والبائع المتجول وصاحبة الضفيرتين الشقراوين كانوا من الحكمة بحيث بدا الشاب شامان بأمس الحاجة لهم علهم يقدمون له معرفتهم عن كهف سدرين، لكنهم لم يكونوا بهذه البساطة التي ظنها، لذلك أعطوه فواعد التعاطي مع الحلم والذي أسميه الوهم، وهو وهم ايجابي وضروري لتستمر الحياة، وتستوي كما استوت في رواية دونكيشوت، بعد كل الأوجاع التي عانى منها الفلاح البسيط ليزداد وعي الفارس المعجب بعصر الفروسية، حتى إذا ما أتم الوجع الجسدي دوره تكاملت المعرفة والوعي عند سانكوبنسا ودون كيخوتا.
وهنا عند غانم بوحمود يبدو الوهم محركا للوصول إلى كهف في جبل شان وتحديدا في سدرين.
وقد راق لي ما ذهب إليه الناشر من أن بطل هذه الرواية هو أنت أيها القارئ، لأن جميع أبطالها انعكاس لصورتك في مرآة الزمان والمكان أو إذا شئنا في مرآة اللازمان واللامكان.
رواية كتبت بأسلوب أدبي رفيع ليستمتع القارئ بالحكمة العميقة وراء الأحداث والتي قد تكون في ظاهرها بسيطة وقد تحتوي على عوالم لا نهائية لو تعمقنا بها.
تدور الأحداث في سدرين وجبلها وسدرين هي أي مكان ولا مكان.. وهنا أجد أن الوهم هو القاسم المشترك بين سرفانتس وصديقي غانم بوحمود، وهو وهم خلاق لم يأت من فراغ ولم يذهب إلى العبث، بل هو تحريك للطاقات المعطلة في الدماغ وإعمال للعقل وتحكيمه في البحث عن جوانب غير مهمة في الحياة أو هكذا تبدو لكنها على غاية كبيرة من الأهمية لو أعطيت ما تستحق من التأمل بوجودها.
رواية تقف على مشارف العالمية بجدارة بانتظار من يضعها في مقامها الصحيح.
رياض طبرة