أوروبا ما زالت رهينة أمريكا
سمر سامي السمارة
يبدو أن الزعماء الأوروبيين – كعادتهم- لا يمكن أن يدوروا إلا في الفلك الأمريكي، حتى تهدئة الإجرام الأمريكي جزء إضافي كبير لهذه المشكلة.
أدان العديد من المعلقين، بمن فيهم الخبراء القانونيون اغتيال القائد العسكري الإيراني الجنرال قاسم سليماني ، ووصفوه بأنه جريمة قتل وحشية تم تنفيذها بدم بارد بناء على أوامر الرئيس الأمريكي ترامب.
ويرى مراقبون أن اغتيال مسؤول كبير في دولة أجنبية بهذه الطريقة هو جريمة حرب، خاصة أن سليماني وفقاً لمصادر عراقية خاصة جداً كان في ذلك الحين في مهمة سلام دبلوماسية عندما وصل إلى المطار، وكان يشارك في الجهود المبذولة لتهدئة التوترات الإقليمية بين السعودية وإيران. كان الأمريكيون على علم بمبادرة السلام هذه وشجعوها على ما يبدو، ثم تحولوا واغتالوه.
إن اغتيال سليماني من قبل إدارة ترامب – بذريعة تلطخ يديه بدماء ملايين المدنيين، واتهامه بأنه قائد إرهابي، وإن اغتياله كان “عملاً دفاعياً وقائياً” – هو أمر مثير للاشمئزاز لتبرير عملية الاغتيال التي لا يمكن تبريرها.
لقد أثارت الطريقة التي اعتمدتها وسائل الإعلام الأمريكية و الأوروبية من خلال الترويج للحملة الأمريكية الرسمية “لشيطنة” سليماني باعتباره العقل المدبر للإرهاب، السخرية. كان يهدف هذا التشويه المضحك لواحد من القادة الاستراتيجيين العسكريين الذين أحبطوا محاولات الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي لتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط، لتغطية جرائم الحرب الضخمة التي ارتكبتها واشنطن وحلفاؤها عبر غزواتهم واحتلالهم غير الشرعي للبلدان، والتي أدت إلى إغراق تلك البلدان في فوضى دموية و التسبب بموت الملايين وإطلاق العنان لموجات عارمة من الإرهاب.
إن تباهي ترامب بأنه أمر بقتل سليماني من أجل “وقف حرب” هو إهانة للأخلاق، وينبغي على أي شخص يتمتع ولو بمعرفة بدائية بالحروب والصراعات التي تحدق بالشرق الأوسط، أن يقف ويدين مثير الحروب الأمريكي، المتهور الذي يرتكب أبشع الجرائم برعاية الدولة.
ماذا فعل القادة الأوروبيون؟ بدلاً من توجيه اللوم إلى واشنطن والتمسك بالقانون الدولي، انغمسوا في سلوكهم البربري.
إذ أصدر البريطاني بوريس جونسون والألمانية أنجيلا ميركل والفرنسي إيمانويل ماكرون بياناً مشتركاً متأخراً، قدموا فيه مبررات لمقتل الجنرال سليماني، ومنحوا غطاء أخلاقياً وقانونياً للاغتيال بطائرة بدون طيار، وذلك بتكرار الادعاءات الأمريكية الشريرة بأن الجنرال كان عقلاً مدبراً لتوسيع النفوذ الإيراني.
صرح القادة الأوروبيون “لقد قمنا بإدانة الهجمات الأخيرة على قوات التحالف في العراق، ونشعر بقلق عميق إزاء الدور السلبي الذي لعبته إيران في المنطقة، بما في ذلك ما قامت به من خلال الحرس الثوري وفيلق القدس بقيادة الجنرال سليماني”..
في الحقيقة، يمكن لأي متابع أن يعرف أن ما صرح به القادة الأوروبيون ليس إلا كذباً مشيناً، لأن القائد الإيراني هو من ألحق الهزيمة بالإرهاب الذي ابتليت به سورية والعراق الذي دعمته واشنطن وحلفاؤها سراً .
وبشكل منفصل، أدلى جونسون ببيان فج وقاس قال فيه: “كان الجنرال قاسم سليماني يشكل تهديداً لمصالحنا جميعاً، وأنه كان مسؤولًا عن نمط من السلوك التخريبي المزعزع للاستقرار في المنطقة. ونظراً إلى الدور الرائد الذي لعبه في الأعمال التي أدت إلى مقتل آلاف المدنيين الأبرياء والموظفين الغربيين، فإننا لن ننتحب على مقتله”.
لم يجرؤ القادة الأوروبيون في أي وقت على إخبار الأمريكيين أنهم انتهكوا القانون الدولي من خلال قتلهم للقائد الإيراني، ولم يدينوا ترامب بسبب العدوان الإجرامي الذي أدى إلى الحرب.
بل ما فعله الرؤساء الأوروبيون هو تضخيم الأكاذيب والتشهير الأمريكي بسليماني، وتشجيع ترامب على ارتكاب المزيد من جرائم الحرب، حتى تهديداته المجنونة بتدمير المراكز الثقافية الإيرانية لم تكن سبباً لاحتجاجات الحكومات الأوروبية.
علاوة على ذلك، ومما يثير الدهشة، ما يراه الأوروبيون مناسباً إعطاء الدروس النظرية لإيران “لتهدئة التوترات” والامتناع عن اتخاذ أي رد فعل على الرغم من أنه بموجب القانون الدولي لإيران الحق في الرد.
إن هذا الاسترضاء الأوروبي لطغيان ترامب المهووس هو صدى لثلاثينيات القرن الماضي عندما قام القادة الأوروبيون بتخويف ألمانيا النازية واسترضائها في مواجهة العدوان المتصاعد من قبل الرايخ الثالث.