أوروبا عاجزة أمام أمريكا
رغم كل محاولات الدول الأوروبية، الموقّعة على الاتفاق النووي مع إيران، بالبقاء ضمنه وعدم الانجرار وراء السياسية الأمريكية، التي أطلقها ترامب ضد إيران بعد انسحابه الأحادي من الاتفاق، إلا أن مجريات الأحداث في اليومين الماضيين تؤكّد أن قرار تلك الدول ليس في عواصمها وإنما في واشنطن، والدليل تصريح وزيرة الدفاع الألمانية أنيغريت كرامب كارينباور من لندن “أن الولايات المتحدة هدّدت بفرض رسوم جمركية بنسبة 25%، على صادرات السيارات الأوروبية إذا استمر الأوروبيون في دعم الاتفاق النووي”، تصريح يحمل في طياته الكثير عن أوروبا ودورها السياسي على الساحة الدولية، وأنها على الرغم من كل المحاولات للتفلّت من عباءة واشنطن بقيت غير قادرة على مواجهة العنجهية الأمريكية.
ولكن لماذا الآن أراد ترامب تعرية حلفائه الأوروبيين وكشف مدى عجزهم أمامه، والأهم ما سبب الانصياع الأوروبي لأمريكا.. هل هي بالفعل دول كبرى يمكن لها تحمل مسؤولياتها على الساحة الدولية بمعزل عن الدور الأمريكي؟.
منذ الحرب العالمية الثانية وانقسام العالم إلى معسكرين شرقي وغربي، وواشنطن تفرض رأيها المطلق على سياسة معسكرها بالكامل، حتى عندما حاولت تلك الدول التفلّت من القرار الأمريكي في أعقاب انتهاء الحرب الباردة وجدت نفسها مجبرة على الرجوع إلى موقف واشنطن والانخراط فيه بالمطلق، وما حدث مع فرنسا جاك شيراك في أعقاب غزو العراق 2003 واللاءات التي أطلقها عن رفض العدوان الأمريكي عاد وتراجع عنها بعد الاتفاق الشهير مع جورج دبليو بوش في النورماندي 2005، وحتى عندما حاول الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون البحث عن صيغة دفاعية لأوروبا عبر إنشاء جيش أوروبي يحمي حدود أوروبا، انتفض ترامب وسخر من ماكرون بطريقة مثيرة للسخرية، والحال تكرر مع ألمانيا عندما قرّرت الانفتاح على روسيا والاستفادة من الغاز الروسي فجاءت العقوبات الأمريكية لتعطّل كل المشروع.
وعليه فإن ما جرى في حالة الاتفاق النووي لم يكن مفاجئاً لطهران، التي كانت تؤكد دوماً أن استمرار الاتفاق النووي مرهون بتنفيذ أوروبا لالتزاماتها التي نصّ عليها الاتفاق المذيّل بتوقيع مجلس الأمن، ولكن لم تنجح أوروبا في الاختبار بل بقيت تنتظر أمريكا ماذا تريد؟، والدليل أن رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون وبدلاً من أن يدفع ترامب للعودة إلى الاتفاق النووي اقترح أن يتمّ استبداله، باتفاق جديد أطلق عليه “اتفاق ترامب”، حتى عندما أعلنت عن آلية مالية منفصلة للتعامل مع إيران “اينستكس” لم تستطع أن تشغلها خوفاً من واشنطن.
إذاً فالمنظومة الأوروبية، الاتحاد أم الدول منفردة، عاجزة بالكامل عن الهروب من الظل الأمريكي، وأن أقصى ما يمكن أن تقوم به هو المماطلة ونقل الرسائل وربما التهديد إذا أرادت واشنطن ذلك، وهذا يفرض على الدول الأوروبية أولاً أن تعيد ترتيب أوراقها من جديد والبحث في حقيقة دورها وحجمها في ظل المتغيّرات الدولية الحاصلة، والأهم طبيعة علاقتها مع واشنطن، وإلا فإنها ستبقى تنتظر الفتات التي تتركه لها واشنطن، هذا إن تركت، في حين ستكون الدول الأخرى غير معنية بأي اتفاق مع أوروبا طالما اتفقت مع واشنطن.
سنان حسن