القضية “أكبر من هيك”؟
الحديث عن الوقائع المعيشية قد يكون صعباً في هذه الأيام، ولكن لا يعني ذلك السكوت وعدم التفكير في التفاصيل اليومية، من أجل الخروج بحلول مفيدة وذات عائدية إيجابية على الواقع، وخاصة أن الأيام القليلة الماضية أسقطت كل من كان يختبئ وراء مقولة جحا: “النار بعيدة عني”، التي كان يُستعان بها للهروب من مواجهة الأزمات المتتالية ورمي المسؤولية في غياهب المجهول، فالنار المعيشية هاجمت وبقوة الجميع باستثناء بعض الذين يمعنون في تنفيذ مشروع جرّ البلد إلى الهاوية تحت غطاء الحرب والعقوبات والحصار الاقتصادي الذي على ما يبدو هناك من رسم مشروعاً لاستثماره وزيادة ثرواته.
ولاشك، والكل يعلم ويدرك تماماً، أن القضية ليست قضية ارتفاع سعر كيلو البندورة أو علبة المتة أو الانتظار لساعات من أجل أسطوانة الغاز التي ربما لا تأتي إلا بوجود العدسات التلفزيونية والجولات الاستعراضية..وأن القضية ليست مجرد احتكار ومتاجرة بحياة الناس وفساد مستشرٍ ومتغلغلٍ في المؤسسات الرقابية وغيرها.. القضية (أكبر من هيك) فهي قضية دماء سالت ليبقى البلد.. قضية آلاف الشباب الجرحى والمصابين الذين عادوا من الجبهات إلى الكراسي المتحركة وإلى حياة أخرى تئن فيها الأوجاع.. قضية مئات الآلاف من الأرامل والأيتام الذين باتوا في وضع معيشي مأساوي.. القضية قضية صمود شعبي لتسع سنوات خلف جيش صنع المستحيلات.. القضية قضية ملايين العمال الذين استمروا في صناعة مقومات الحياة.. القضية باختصار قضية وطن لا يعرف الاستسلام أو الانحناء إلا لله.
ولاشك أن التفاؤل الذي بات حاضراً في الشارع السوري بعد صدور المرسوم التشريعي رقم 3 لعام 2020 القاضي بتعديل المادة الثانية من المرسوم التشريعي رقم 54 لعام 2013 المتعلق بمنع التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات، والمرسوم التشريعي رقم 4 لعام 2020 القاضي بتعديل المادة 309 من قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 لعام 1949 وتعديلاته، يشكّل بوابة لعودة الاستقرار المعيشي وتبديد المخاوف التي زادت من حالة الطلب على العملات الأجنبية على حساب الليرة السورية التي تم إنعاشها من جديد من أجل خلق أجواء أكثر ارتياحاً من الناحية المادية والمعيشية، ولابد هنا من تأكيد أهمية المشاركة الشعبية في متابعة تنفيذ مضامين هذه المراسيم والتقيد بها وعدم المشاركة بأي شكل كان في خرقها، فمسؤولية إعادة التوازن إلى الأسواق وتخفيض الأسعار مسؤولية جماعية ويقع عبء التنفيذ على المواطن أولاً من خلال مساهمته في الرقابة والمحاسبة وعدم التستر على كل من يحاول التلاعب بلقمة عيشه، ومن ثم يأتي دور الجهات المختصة للقيام بدورها على أكمل وجه دون أي شبهات أو تقصير.
وطبعاً الحالة التنفيذية السليمة تستدعي تشكيل فرق مشتركة من عدة جهات وبمشاركة المجتمع المحلي، حتى لا يتم اختراقها كما كان يحصل في السنوات الماضية نتيجة الاختيارات الخاطئة والتهاون في المحاسبة والمساءلة لمن ثبت تورطه في التغطية على المخالفين والمتاجرين.. كما أن الأوضاع والظروف الحالية تفرض نهجاً مؤسساتياً أكثر تفاعلية لجهة أداء أصحاب القرار والتعامل مع مطالب الناس بجدية تامة.
بشير فرزان