لماذا ترفض “المالية” الكشف عن إيراداتها الضريبية من المنشآت السياحية؟ “السياحة”: محاولتنا اعتماد برامج محاسبية دقيقة باءت بالفشل.. والسبب “الأولويات”!!
لماذا تعتبر وزارة المالية الإيرادات المحصّلة من المنشآت السياحية “سراً”، لدرجة أن وزير السياحة نفسه، أكد لـ”البعث” عدم معرفته بها حين سؤالنا له عن مقدارها سنوياً..!؟؛ والسؤال الذي نطرحه هنا هو: ما الغاية أو الهدف من عدم الإعلان عن إيرادات القطاع السياحي..؟، وما مبرّر هذا التعتيم المتعمّد على مداخيل خزينتنا من السياحة..!؟.
لا شك أن عدم التصريح بأرقام الإيرادات الضريبية التي يتم جبايتها من المنشآت سنوياً..، يفتح المجال واسعاً للتساؤل حول حقيقة تلك الإيرادات، سواء لناحية كمّها ونوعها، أم لناحية صحة تحصيلها كما يجب، ووفق أية أنظمة..، بحيث تكون واضحة وشفافة تعكس المبالغ الحقيقية المفترض جبايتها..!.
لن نخوض أكثر لكننا نكتفي بالقول: إننا فعلاً نحتار حين نستمع لوزير المالية، عند تناوله موضوع الضرائب والرسوم عامة..، هذا في الوقت الذي يؤكد فيه أن الوقت قد حان لحسم وتصويب موضوع الضرائب وإعادة النظر فيه، وأن السياسة الضريبية الحالية قديمة وبحاجة إلى تحديث، كما لم يخفِ (خلال الاجتماع الأخير في هيئة الضرائب والرسوم الشهر الفائت)، أن وزارة المالية والهيئة، لا تستطيعان وحدهما أن تحدّا من التهرّب الضريبي وتحققا العدالة الضريبية، ويعترف بأننا بحاجة إلى تعديل القوانين، التي يتم العمل عليها حالياً.
بنسبة 70%
بالعودة إلى موضوع الإيرادات من السياحة، كان أكد لنا مدير مديرية الجودة السابق في وزارة السياحة، أن حالة التهرب والتحصيل الضريبي في المنشآت السياحية بدمشق العاصمة، تتم معالجتها بنسبة 70%، أما في بقية المحافظات فغير معروف..!؟؛ كما أكد أن رقم الإيرادات يجب أن يكون متطابقاً بنسبة 75% بين وزارة السياحة ووزارة المالية (رقم تأشيري)، علماً أن السياحة تقوم بتقدير الرقم من خلال “الداتا” التي لديها حول عدد المنشآت وعدد الكراسي والطاولات والأسرة ومستوى التصنيف..إلخ.
وسؤالنا هنا، كيف لنا ولـ”السياحة” أن تطابق ما لديها، إن كان ممنوعاً عليها معرفة الرقم الذي تحصّله “المالية”..، بالطبع السياحة لن تعلن عن رقمها لأنها ليست الجهة المفترض بها الإعلان بل “المالية”، علماً أن الأولى تكتفي بالتصريح عن إيرادات وأرباح الفنادق والمنشآت السياحية التي تتبع لها فقط..!؟.
ما مصيرها..؟!
اليوم وبعد مضي عدة سنوات على تقديم وزارة السياحة لوزارة المالية خمس برامج محاسبية مؤتمتة، لتختار الأخيرة منها الأنسب لفرضها على المنشآت السياحية، بحيث تتمكن الوزارة من المعرفة الدقيقة لحجم عمل أية منشأة سياحية وبالتالي مداخيلها، التي على أساسها يتم حساب الضرائب والرسوم الواجبة التحصيل والجباية، لم تختر المالية أيّاً منها، بل لجأت لما عرف بالاتفاق الرضائي مع عدد من المنشآت، حيث تقوم المالية وجهاتها المعنية بتوقيع عقد مع تلك المنشآت وبرقم ضريبي محدد ومقطوع سنوياً..!.
لو تم..!؟
المهندس زياد البلخي مدير مديرية الجودة والرقابة السياحية في وزارة السياحة، وحول سؤال “البعث” له: إن كان هناك أي جديد فيما ذكرنا آنفاً، أوضح أن الضرائب الخاصة بالإنفاق الاستهلاكي تُؤخذ على المبيعات الحقيقية وهذه هي القاعدة في الموضوع..، مبيّناً أن المنشآت السياحية نوعان: منشآت إقامة (فنادق) ومنشآت إطعام، الأولى ملزمة بالتصريح عن مرتاديها من النزلاء..، وبالتالي الأرقام عندها دقيقة، وإضافة لهذا فإن المنشآت الكبيرة تستخدم برمجيات ذات دقة عالية، لأنها قوية وذات إمكانيات، كبرنامج “أوبرا” مثلاً، حيث لا يمكن للمنشآت التلاعب به، وليس هناك مجال لاختراق مثل تلك البرامج والبرمجيات.
أما بالنسبة للمطاعم فكانت هناك خطة أن تصبح لدينا اعتمادية للبرامج التي تستخدم في المطاعم، بحيث نحمّل مطوّر البرنامج (أي الشركة التي قامت ببرمجة برنامج الإدارة المالية للمنشأة)، مسؤولية إمكانية التلاعب بالأرقام، بالتكافل والتضامن مع المنشأة.
وهذا الأمر وفقاً للبلخي، لو تم تحقيقه وتنفيذه بالشكل والمضمون الذي ذكرناه، كنا استطعنا اعتماد برمجيات معينة محددة، ووزارة المالية بدورها، كانت قدرت، وبشكل شهري، أن تأخذ مخرجات البرنامج المالي بشكل دقيق.
حل جيد..؟!
إلاَّ أن الحل الجيد، برأيه، كان موضوع المرسوم الرئاسي الذي يسمح بإجراء عقود توافقية بين مديرية المالية المعنية ومنشأة الإطعام، علماً أن هذه العقود هي عقود اختيارية بالنسبة للمنشآت، بمعنى أنه يحق لصاحب المنشأة الاختيار بين الإبقاء على أعماله الدفترية وبالتالي تتم محاسبته وتقدير ما يتوجب عليه دفعه من ضرائب، أو أن يختار توقيع العقد التوافقي مع الدوائر المالية (ليس فقط مديرية المالية، بل العقد مع لجنة مؤلفة من مدير المالية ورئيس دائرة الاستعلام الضريبي ورئيس دائرة الإنفاق الاستهلاكي مع ممثل لوزارة السياحة وممثل لغرفة السياحة)، مبيّناً أن مهمة هذه اللجنة الاجتماع ودراسة الواقع التشغيلي للمنشأة، ومن ثم وبناء على مراقبة حسابات وتقديرات الاستعلام الضريبي، يتم تقدير رقم الأعمال للمنشأة، وبالتالي تحديد قيمة العقد التوافقي الذي يجب أن تدفعه المنشأة.
وعليه فإن كل منشآت الإطعام ، بدءاً من صالات الشاي إلى مطاعم الوجبات السريعة فالملاهي…إلخ، كلها يشملها المرسوم الرئاسي، ويمكنها التقدم بطلب إلى مديرية المالية المعنية حتى يُصار إلى عقد جلسة لدراسة وحساب ومناقشة حجم الأعمال، والخلوص إلى تقدير حجم مبيعات المنشأة، ومن ثم يتم الاتفاق أو التوافق على رقم، وفي ضوء هذا الرقم يتم تحديد مقدار التكليف الضريبي للمنشأة.
“الشبكة”..!
متابعة لموضوع برامج الاعتمادية.. الآنف الذكر، حيث لم يكشف لنا مدير الجودة سبب عدم تمكّن وزارة السياحة من تطبيقه في المنشآت، علمنا من مصدر سياحي، أن القول الفصل في هذا كان بيد الهيئة الناظمة لخدمات الشبكات التي لم تهتم بالموضوع، لأن هناك ما هو أهم برأيها.. وهذا ليس من الأولويات الحالية..!؟.
ما وراء الأكمة..!؟
وبالبحث في تمنّع “المالية” الكشف عن حجم إيراداتها من “السياحة”، عزا مصدر في وزارة السياحة أن سبب امتناع “المالية” عن الإفصاح هو مقدار التكليف الضريبي للمنشآت السياحية، وبالتالي عن قيمة الضرائب والرسوم التي تُحصِّلها سنوياً (وتخفيها حتى عن وزارة السياحة..!)، وأن إجمالي التحصيلات، التي وصفها بالمهمة والكبيرة، يمكن أن تكون محفزاً للقطاع السياحي للمطالبة بزيادة موازنة هذا القطاع…!؟.
وبرأينا أن هذا السبب، وإن كان هناك شيء منه، لكنه بالمجمل غير دقيق في صحته وغير مقنع أبداً، إذ لا شيء يلزم “المالية” أن تزيد أو تقلل لهذه الوزارة أو تلك، نظراً لأن توزيع موازنات الوزارات، يفترض أن يكون خاضعاً لأولويات تحدّدها الظروف المالية للدولة، التي يجب مراعاتها..، مع اعتقادنا أن ذلك لا يتم بالشكل الأكمل والصورة المثلى، وإنما يخضع لاعتبارات أخرى، وبرأينا أن السبب المنطقي يكمن في تخوف الجهات المالية من التضارب الكبير بين الرقم التأشيري الذي تتوصل إليه وزارة السياحة وبين الرقم الذي تحصّله وزارة المالية، وخاصة أن هناك اعترافاً من وزير المالية نفسه بتخلف وتقصير أنظمتنا وقوانيننا الضريبية، وأن المسؤولية والمهمة في إنهاء هذا التخلف والتقصير لا تقع فقط على الجهات المالية المعنية…!؟.
أسئلة مشروعة..؟
ويبقى السؤال قائماً: ماذا عملت اللجنة الخاصة التي شكلتها “المالية” لدراسة الإشكاليات التي تواجه عمل الإدارة الضريبية في تنفيذ مهامها وعملها، وعلى التوازي دراسة القوانين والأنظمة بهدف إزالة أي عائق من شأنه عرقلة التحصيل الضريبي..؟.
وماذا استجدّ بدراستها لإمكانية تعديل المرسوم 51 لعام 2006 المعدل لقانون ضريبة الدخل لعام 2003، بهدف الوصول إلى قيمة عمل المنشآت السياحية بصورة حقيقية، وبما يؤدي إلى أفضل تحصيل ممكن من الضريبة لضمان حق الدولة..؟.
يبقى أن نذكّر بأن الإدارة الضريبية وعلى مدار 10 أعوام، كانت توافق على قبول ما تقدمه المنشآت من أرقام لأعمالها كما هو، ولعل اعتراف مدير الضرائب والرسوم بذلك، يدعونا إلى التساؤل بأي منطق يمكن أن نسلّم لتلك المنشآت ما هو من حق ومهام ومسؤوليات المالية..؟!.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com