الآلات الموسيقية الجولانية
ثمة موسيقى أزلية بالطبيعة، سحرت الإنسان، و بهرته وتملّكت السمع والروح منه، منعشة وجدانه وأحاسيسه؛ معبّرة عن مكنونات روحه بتجلياتها الماتعة الجميلة الآسرة، فحفيف السنابل؛ وهمس الأمواج للشواطئ وحنين الندى عندما يعانق الأزهار وسقسقة الماء وزقزقة العصافير وتغريد البلابل وغناء العنادل وأهازيج النهر شلالاً وآهات القهوة التي تفوح نكهة وجمالاً ومناجاة السفح للوادي ووجيب الخوافق والنسيمات الرّخية التي تهدهد ضفيرة غادة حسناء وعويل الرياح مخاطباً الكستناء وصهيل الخيل ولثغة ظبية فرعاء، كل ذلك دفع الإنسان للبحث عن وسيلة للتعبير عما يجيش بصدره من خلال الموسيقى، فبدأ بشفتيه اللتين تمتلكان التعبير المدهش والأرقى للفرح والحب والفن، كما أنهما أقدم آلة موسيقية بالتاريخ. وأصدر الصفير منهما معبراً عن حاجاته كلحن جدّ طبيعي انسيابي ثم صار يلوّن الصفير بنغمات حادة متفاوتة، ليزداد تعبيره تألقاً وانسجاماً مع أحاسيسه وعلاقاته بالكائنات والطبيعة، كما تُعَد بداية للسلم الموسيقي. ثم وضع أصابعه بفمه، ليزداد الصفير حدة وقوة، وبقيت الشفتان وهما مستقر ثراء الأحاسيس في الثغر والجسد أساس الآلات الموسيقية الشعبية الجولانية النفخية بمسمياتها المتعددة.
وغني عن القول: إن الآلات الموسيقية قديمها وحديثها تترجم أحاسيس الناس عبر ألحان موسيقية بديعة، يحبها المستمعون، ويتفاعلون معها، ويتأثرون بها، وتدفعهم للغناء والرقص الفردي والجماعي، والآلات الموسيقية الشعبية الجولانية بسيطة غير معقدة، وكان العازفون يصنعونها من القصب المتوفر بكثرة في الجولان، وهناك حرفيون مهرة لصناعة بعضها الآخر، والآلات الموسيقية الشعبية الجولانية النفخية تضم المجوّز واليرغول والقصبة والناي وهي الآلات المصاحبة للدبكات الشعبية الجولانية، أما الآلات الوترية فهي الربابة وهي للغناء فقط، فضلاً عن الطبل وهو الآلة الإيقاعية أيضاً.
محمد غالب حسين