من يقرض.. من يضمن؟ لأول مرة في سورية.. (ضمان المخاطر) ترى النور وتستهدف المشاريع المتوسطة والصغيرة كاتــبــة: تمــثــل 95- 97% مـــن الــنشــــاط الاقــتـصــــادي ونقـبــل مــا لا تقـبــلــه الــمـصــارف
لا تقود الحراك الاقتصادي المحلي شركات كبيرة ومؤثرة (بصرف النظر عن شكلها القانوني).. هذه حقيقة أولى، ثم إن هناك 95-97 بالمئة من النشاط الاقتصادي تقوده المشاريع المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر.. حقيقة ثانية، وليست مشكلة التمويل هي العقبة الوحيدة، التي تحول دون التوسع في هذه المشاريع، بل من يضمن المقترضين، وعلامَ تكون الضمانات، ومن هي المشاريع الأَولى بالإقراض، ولماذا لم تستطع المصارف الخاصة والعامة القيام بدورها التمويلي، طوال العقدين الفائتين، على الرغم من تراكم أموالها الجاهزة للإقراض؟!.
من يقرض؟ يكافئ سؤالاً نظيراً: من يضمن؟ هذان السؤالان ولّدا حاجة لضمان تلك المخاطر التي غالباً ما ترافق عملية الإقراض، وهكذا أُحدثت مؤسسة ضمان مخاطر القروض، التي ستتولى الضمان لتلك القروض الممنوحة من المصارف، ما سيشجّع الطرفين (المصارف، المقترضين) على الذهاب باتجاه نقطة تلاقٍ تُضمن عندها حقوق كل منهما، فماذا عن هذه المؤسسة.. دورها، خدماتها، رأسمالها، خطط وبرامج عملها؟.
تسهيل الإقراض..
ليست المصارف على توافق مع متوسطي وصغار المقترضين، فهي تطلب ضمانات لا تجدها عند هؤلاء، وتفضل القروض الاستهلاكية والخدمية، والتعامل مع عميل واحد ذي ملاءة مالية عالية، ويرغب بقرض كبير، على أن يكون مثل هذا القرض موزعاً على عشرات، وربما مئات، المقترضين، لذا فإن نسبة عملاء المصارف من هذه الشريحة، حسبما يقول المدير التنفيذي للمؤسسة مأمون كاتبة، لا تتجاوز الأربعة بالمئة من إجمالي عملائها، وهنا تبرز أهمية رفع هذه النسبة، لأن مزيداً من الإقراض لمثل هذه المشاريع، يعني مساهمة أعلى في الاقتصاد الوطني، وكفاءة استثمارية كبيرة، وتسريعاً لمعدلات التشغيل، وامتصاصاً لفائض العمالة، فجوهر عمل المؤسسة يتمثل بضمان هذه القروض لدى المصارف.
الشرائح المستهدفة
ستتجه المؤسسة إلى شرائح كثيرة من المقترضين المستهدفين، بيد أنها ستركز، وفقاً لكاتبة، على قطاعات التصنيع الزراعي، ولاسيما تلك التي تعتمد على تقنية معينة، وعلى مشاريع إنتاج الطاقات المتجددة والبديلة، ثم المشاريع التي تمتلك براءات اختراع، والتي تعمل في البرمجيات والتقانة، حيث التكاليف منخفضة والعوائد عالية، كذلك المشاريع العلمية المهنية للأطباء والمهندسين والفنيين وغيرهم، وتلك المشاريع المدعومة من الدولة، ولا بد أن تتجه المؤسسة، في وقت لاحق، إلى التعاطي مع الجهات التي تدرب وتؤهل رواد الأعمال، ضمن اتفاقيات إطارية محددة..
تقبل ما لا تقبله المصارف..
تمكن المؤسسة المشاريع المتوسطة والصغيرة من النفاذ إلى التمويل، فهي تقبل منها ضمانات لا تقبلها المصارف، إذ ربما لا تتوافر لدى هذه المشاريع الضمانات العقارية والأصول، وهنا تقبل المؤسسة من العميل اسماً معروفاً في السوق، وأدوات وعدد العمل، أو ربما بيتاً على الشيوع، إضافة إلى دراسة الجدوى ورواج المنتجات والخدمات، وغيرها من الضمانات التي لا تخلو من المخاطر، فالمؤسسة تتبنى القاعدة المعروفة في مجال الإقراض (إن ضابط الائتمان السيئ هو من يمنح القرض وعينه على الضمان). ولكن حصول المقترض على المال لا يكفي لإنجاح المشروع، إذ لا بد من تأهيله وتدريبه على الإنتاج والإدارة والتسويق، لذا ستعتمد المؤسسة على هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتولي هذا الموضوع، دون التدخل في المشروع أو التمويل.
مؤسسة خاصة
يشير كاتبة إلى أنه قبل إحداث المؤسسة كان هناك أكثر من تصوّر بشأنها، كأن تكون مثلاً تابعة لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، ثم استقرت الأمور بتصنيفها مؤسسة خاصة أُحدثت بموجب القانون 12 لعام 2016، وتدفع الضرائب والرسوم لمصلحة وزارة المالية، التي رفضت إعفاءها منها، وهي شركة مغفلة مقرها دمشق، ورأسمالها خمسة مليارات ليرة سورية، موزعة على 50 مليون سهم، قيمة كل سهم 100 ليرة.
وتساهم في رأسمال المؤسسة المصارف العامة الستة بـ 41.16%، والمصارف الخاصة بـ54.6%، والمؤسسات المصرفية الاجتماعية بـ4.56%، ويتألف مجلس إدارتها من سبعة أشخاص، ستة من المصارف، وواحد من مؤسسات التمويل الصغير، إضافة إلى مندوب عن وزارة الاقتصاد، وآخر عن مجلس النقد والتسليف، ويرأس المجلس المدير العام للمصرف الزراعي.
ما الذي ستقدّمه..؟
يرتكز عمل المؤسسة على قاعدة مهمة، وهي أنه عندما يصبح المشروع مكفولاً منها، سيقل الخطر على المصرف المانح للقرض، وبالتالي ستنخفض تكلفة التمويل على العميل، علماً أن عمولة المؤسسة ستكون بحدود اثنين بالمئة، وهكذا سيفعّل أداؤها تمويل الإنتاج، وهنا يلفت خبراء اقتصاديون إلى ضرورة ألا تكون نسبة مشاركة المؤسسة في المخاطر، عند تأخر العميل عن السداد أو تعثره، عالية، علماً أن متوسط مثل هذه النسبة حول العالم هو بحدود 60-80% من إجمالي قيمة القرض.
وتعدّ الجدارة الائتمانية للمشاريع الطالبة للتمويل من أهم الشروط اللازمة لنجاح المؤسسة في عملها، لأن هذه الجدارة تعني أول ما تعني قدرة العميل على سداد القروض المترتبة عليه في فترات استحقاقها، وهذا يستدعي التقييم الدقيق للمشاريع، والوقوف على بياناتها المالية بدقة، حيث يتسنى للمؤسسة من خلال ذلك معرفة الموقف المالي للمشروع، وقدرته على تحقيق الإيرادات وتوليد الأرباح، وهكذا.. فالمشاريع الناجحة تعني بالنسبة للمؤسسة مخاطر أقل، ونجاحاً أكبر، يجعلانها قادرة على ضمان مخاطر المزيد من قروض المشاريع المختلفة..
يبقى أن..
ويأتي إحداث هذه المؤسسة في سياق الجهود الحكومية الرامية لإطلاق العملية الإنتاجية لمرحلة ما بعد الحرب، عبر توفير البيئة التشريعية والتمويلية للمشاريع المتوسطة والصغيرة، التي يعول عليها في تحريك عجلة الإنتاج، وكانت المؤسسة أعطت الحكومة، نهاية العام الفائت، موعداً بإطلاق أنشطتها رسمياً قبل نهاية الشهر الجاري، وحالياً تنتظر من مصرف سورية المركزي إطلاق إشارة البدء في نشاطها، بعد أن استكملت بنية عملها تنظيمياً وإدارياً.
أحمد العمار