“فضاءات الجسور” في الرواية العربية
“فضاءات الجسور في الرواية العربية.. قراءة في المضمرات الدلالية والثقافية” كتاب صادر عن الهيئة العامة للكتاب للدكتور هايل محمد الطالب وتنطلق هذه القراءة من رؤية تأسيسية مفادها أن المكان هو الصورة المرجعية الجغرافية، أما الفضاء فهو الصورة المتخيلة أو المُضمرة التي تُضفي على المكان أبعاداً جمالية وشعرية وفلسفية وثقافية تجعله غير متطابق مع الواقع أو تجعله فضاء آخر لا يتعالق مع الوجود، وبذلك فإن مقاربة المضمرات هي قراءة للسمات التي تمنح هذا السرد نكهة خالصة ومقاربة راصدة للأبعاد الثقافية والدلالية لهذه الثيمة المكانية (الجسر) باعتبارها فضاءً دالاً في فعل الكتابة.
البطل الحقيقي
يبين د. الطالب في كتابه أن حضور الجسور في الرواية العربية قد اتخذ شكلين رئيسيين تمثل الشكل الأول في حضوره بطلاً حقيقياً للرواية ومحفّزاً على السرد وهنا جاء الجسر حاملاً لفضاءات دلالية متنوعة وغنية فهو اختزال للوطن المُستلب ورمزاً لاستعادة الهوية المهشمة كما عند الروائي حسن حميد، وهو فضاء للهزيمة وتحطم الأحلام كما قدمه عبد الرحمن منيف وهو الجسر الحامل للهاوية عند الطاهر وطار، والجسر الدرامي عندما تتصارع صورته القابعة في الذاكرة مع صورته في الواقع وما يكتف ذلك من دلالات شعرية ووجدانية عند أحلام مستغانمي، وهو الجسر الهامس عند علي المعمري عندما يبحث السارد فيه عن مضمراته الخفية والصوفية لإقامة الجسور الإنسانية مع العالم وهو مطية المغامرة السردية للانطلاق من مفهوم الجسر في تشكيل عمل روائي عند صهيب عنجريني.
العتبة النصية
يشير د. الطالب إلى أن الشكل الثاني لحضور الجسور في الرواية العربية قد اتخذ شكل العتبة النصية حيث قدم فيها الجسر اختصاراً مجازياً للمضمون أو اسما مكانياً يشير إلى مكان الحدث دون أن يكون عنصراً حاسماً فيه مما جعل حضوره ثانوياً في السرد، وفي الفضاء المجازي جاء الجسر حمالاً لفضاءات جمالية وشعرية متعددة فكان الجسر الحلمي لعالم النقاء غير المدنس بصخب العالم المادي، وكان الجسر المتوحش فضاء للموت ففقد كل دلالات الحياة عندما ارتبط بالحروب التي تحرم المكان من كل جمالياته، والجسر المؤدلج فضاء لاستعادة التاريخ السياسي والديني وفضاء للموقف السياسي، موضحاً د. الطالب أن روايات الجسور تميزت بالاقتصاد والتقتير على صعيد الشخصيات مستثنياً منها رواية “همس الجسور” لعلي المعمري حيث مجمل الروايات قامت على فكرة البطل الوحيد الذي يحمل على عاتقه مسؤولية السرد في الرواية فيحضر الجسر فضاءً أساسياً للسرد فتتشكل فضاءات الجسور ودلالاتها من علاقة ذاك البطل مع المكان ألا وهو الجسر.
جسر التنهدات
وينوه د. الطالب في كتابه إلى أن الروايات العربية تعالقت مع الروايات العالمية في ثيمة الجسر في كثير من الدلالات لعل من أهمها فكرة الأضحية والقربان للجسور، وربط الجسور بالفكر النضالي للشعوب وارتباط الجسر بالتاريخ وما يثيره من أسئلة، كذلك ارتباط الجسر بأسئلة المصير الإنساني، منوهاً إلى أن رواية “جسر التنهدات” للفرنسي ميشال زيفاكو التي كُتِبَت في بداية القرن العشرين من أقدم الروايات التي تناولت موضوع الجسر، وجسر التنهدات هو جسر في فينيسيا (البندقية) يمتد فوق إحدى قنواتها ويصل ما بين قصر الدوق وسجون مدينة البندقية ويمثل فيها الجسر صوراً متنوعة للآلام التي يتعرض لها بطلها رولان مع معشوقته ليونور ويكون الجسر العلامة الدالة على تلك العذابات.
روايات الجسر
ومن الروايات العربية التي تناولها الكاتب بالدراسة والبحث نذكر “جسر بنات يعقوب” لحسن حميد، التي تدور أحداثها بجوار الجسر العتيق -جسر بنات يعقوب لاحقاً- المشيّد على نهر الأردن.. ورواية عبد الرحمن منيف “حين تركنا الجسر” الصادرة عام 1974، و”الزلزال” للطاهر وطّار، و”ذاكرة الجسد” لأحلام مستغانمي، و”همس الجسور” لعلي المعمري. وخُتِم الكتاب بملحق تضمن نبذة مختصرة عن الروائيين المدروسين.
أمينة عباس