المواجهة الجمعية للغزو الثقافي التركي في ندوة حوارية
“مازال كثير من الشباب لا يدركون أننا في حرب أخطر بكثير من الحرب التي يشنها الصهاينة وأعوانهم” بهذه المفردات بدأ الشاعر محمد خالد الخضر الندوة الحوارية التي ناقشت خطورة الغزو الثقافي التركي لثقافتنا وهويتنا وتاريخنا، في الوقت الذي يتصدى أبناء شعبنا في إدلب وريف حلب لمحاولات خطرة، لعل أخطرها نشر اللغة التركية.
ومن خلال التداخل السياسي والثقافي والاقتصادي وتحليل المواقف السياسية وجهت الندوة التي أقيمت في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- بمشاركة د. علي دياب والباحثين بكور العروب وعلي عزيز، رسالة لتصدي جميع المؤسسات والمثقفين والمواطنين بتضافر وزارات الإعلام والثقافة والتربية والمنظمات واتحاد كتّاب العرب والفنانين لحماية إرثنا الثقافي، وتمكين لغتنا العربية.
استهل الحديث الخضر عما يشوب المشهد الثقافي من خلط وإدخال ثقافات غريبة عن مجتمعنا بدافع الإبهار لا تمت إلى جذورنا بصلة، إضافة إلى مفردات متسربة، وهذا ما تقوم به سياسة تركيا الغاشمة لتضعف سورية القوة التي تقف في وجه التوسع الصهيوني في الغزو الثقافي الذي يقوده أردوغان.
استغلال العاطفة
ومن واقع تجربة الباحث بكور العروب منسق المركز السوري لبحوث الرأي العام في دمشق الذي أسر من قبل السلطات التركية نوّه إلى الفرق بين الغزو الثقافي والتلاقح الثقافي، فلابد من أن تتأثر سورية بالثقافة التركية بحكم الجوار، والاحتلال التركي الذي دام أربعة قرون وتسرب بعض المفردات التركية إلى العامة، وهذه حالة وجدانية تنم عن تلاقح حضارات.
أما الغزو الثقافي فيهدف إلى تدمير المنظومة القيمية المجتمعية ويؤدي إلى انهيار الأمم، إذ تحاول تركيا اختراق مشروع العروبة الذي تتبناه سورية، وليس المقصود الإطار الجغرافي والاقتصادي، إذ تعمل تركيا على استغلال العاطفة الدينية وإتاحة الفرصة لنشر منظومة الدولة التركية، وقامت باستهداف الشباب السوريين والفلسطينيين والعرب بتدريسهم بما يسمى”مكتب درس خانة” وأثبتت الإحصائيات وجود ثلاثة آلاف ومئتي مكتب تضم خمسة آلاف من الشباب السوريين إقامة داخلية مع آلاف من الشباب العرب، لتلقينهم المبادئ الأردوغانية الدينية التي تعتنقها تركيا.
تشويه التاريخ الدمشقي
والأخطر محاولتها تشويه التاريخ الدمشقي والحلبي بنشر الأكاذيب حول شخصية الشيخ محيي الدين بن عربي ومساهمته بالمشروع العثماني، إضافة إلى التأثير على المفكرين السوريين وخيانة بعضهم، ونشر اللغة التركية وتدريسها في إدلب وأرياف حلب، لكنهم قوبلوا بصد أبناء الشعب السوري وتوجه الطلبة إلى حلب وحماة لتقديم امتحاناتهم وفق المناهج السورية. ليخلص العروب إلى أننا نواجه معركة كبرى تحتاج إلى استنفار الجندية من الجبهة إلى ربة المنزل بآخر موقع لمنزل سوري.
نهب المخطوطات
ورأى د. علي دياب رئيس تحرير مجلة التراث العربي أن الغزو الثقافي يأخذ أشكالاً عدة، منها البرامج التلفزيونية والنظرية الفلسفية وتشويه الأصول، ومما سمح له ضعف الوعي في مواضع وثورة الاتصالات والمواصلات، ليصل إلى أن هذا الغزو ليس حديثاً فهو قديم وتختلف قوته من وقت إلى آخر، واستحضر تاريخ الدولة العثمانية متوقفاً عند حزب الاتحاد والترقي الذي لجأ إلى سياسة الاستبداد ومحاربة القوميات التي كانت تحت هيمنتها”العرب- الشراكس- الأرمن- السريان” وإلغاء اللغة العربية واستبدالها باللغة التركية وإعدام جمال باشا السفاح الشهداء عام 1916، وتحوّل استانبول إلى عاصمة الدولة وسرقة ونهب المخطوطات العربية وحفظها في استانبول، وإلغاء دور الولايات المحلية العربية، وتوقف عند ممارسات التعذيب التي اتبعتها السلطات التركية مع الشهداء.
ويعود د. علي دياب إلى الحاضر ليظهر أن سياسة التتريك السابقة تعود بشكل جديد الآن في ظل الطاغية العثماني أردوغان بغية سلب مشروع سورية العروبي وقضيتها الأولى القضية الفلسطينية. وتطرق إلى خطر الثقافة التي تنشرها المسلسلات التركية في تفكير الشباب وإظهار الوجه الآخر لهم للتستر على مجازرهم، وإلى محاولات تدريس اللغة التركية، ليخلص إلى ضرورة تحلي المثقف السوري بالحالة الوطنية وتمثلها والمواجهة الجماعية لتركيا التي لن تستطيع اختراق سورية البلد الصامد.
أداة أمريكية
وجاءت مشاركة عضو الأمانة العامة لاتحاد الكتاب الفلسطينيين والناطق الرسمي والإعلامي باسم جبهة التحرير الفلسطينية علي عزيز لتكمل المشهد ومناقشة الغزو الثقافي من زاوية أخرى، منطلقاً من الغزو الثقافي الذي استطاع الاختراق من قبل ضعاف النفوس الذين باعوا أنفسهم للدولارات، موضحاً بأن الغزو الثقافي التركي أداة تستظل ببرامج الإدارة الأمريكية ويخدم الكيان الصهيوني ويستهدف سورية القلعة القومية.
ترميم الجيل الرابع
وتوقف عزيز عند دور الإعلام بالتصدي لمحاولات الغزو الثقافي التركي والالتفات نحو الجيل الرابع للحروب، هذا الجيل الذي استهدف وظلم ويحتاج إلى ترميم لمشاركته بالمرحلة القادمة بملف الإعمار، وملف مقاومة الحصار، بالعمل على إقامة ورش عمل تربوية واسعة للشباب.
تضافر الجهود
الحوار مع الحاضرين فتح باب النقاش لمسائل عدة، ووجهت أسئلة إلى المحاضرين، منها استهداف المثقفين، ودخول الدراما التركية بما تحمله من سموم الساحة العربية باللهجة السورية الدمشقية المحكية، وما العلاقة بين التطبيع السياسي الإسرائيلي والغزو الثقافي.
فأجاب د. العروب بأن محاولات استهداف المثقفين كانت ترمي إلى سقوطهم بيد تركيا واستغلالهم، وبيّن د. علي دياب بأن الدبلجة من قبل الفنانين كانت ممارسات خاطئة والأخطر الثقافة التي تنشرها، وأشار إلى أهمية الدور الإعلامي الرقابي. وعقب علي عزيز بأن التطبيع السياسي والغزو الثقافي وجهان لعملة واحدة.
واختُتمت الندوة باتفاق المشاركين والحاضرين على ما أسماه د. دياب بـ”جهود مضنية” تتكامل بين المؤسسات والمثقفين والفنانين والمواطنين لمواجهة الغزو الثقافي التركي.
ملده شويكاني