“فن الممكن”
لا شك أن القدرة المعرفية تعتبر المقياس والمعيار لأي عمل إنتاجي، وبالتالي نجد أن الرابط بينهما وثيق ولا يمكن الفصل بينهما في مختلف جوانب الحياة على المستويين الفردي والجماعي، وهنا تكمن أهمية استثمار وتوظيف الإمكانات والقدرات المعرفية التي يمتلكها الفرد ليكون فاعلاً ومؤثراً ومنتجاً وقادراً على إدراك وفهم ما يحيط به من أحداث ومتغيرات تمكّنه من إجراء مراجعة وتقييم مستمر لأدائه الوظيفي، والتكيّف مع أي مستجدّ يطرأ والسعي إلى حل المشكلات الطارئة والتحكم في بيئة العمل التي يعيش بها.
الغرض من هذا العرض الموجز هو الإشارة إلى طبيعة العمل الوظيفي في مجمل مؤسساتنا بتنوع اختصاصاتها ومهامها، وفيما إذا كان – أي العمل – والمهام المنوطة بالإداريين والفنيين على السواء يعتمد على معيار وشروط القدرة المعرفية، أم أن هناك شروطاً ومعايير أخرى تتحكم بطبيعة العمل ترتكز أساساً على العلاقات الخاصة والمحسوبيات والمنفعة المتبادلة، وهو ما يفسّر سلبية الأداء والمردود في عدد من المؤسسات الخدمية والإنتاجية بعينها التي ما زالت حتى اللحظة تنتهج سياسات خاطئة لا تنسجم مع واقعنا الراهن ولا مع متطلباته واحتياجاته، التي خلفت الكثير من الخسارات والهدر في الوقت والمال.
هذا المؤشر غير المرضي في الأداء والنتيجة يفرض على المؤسسات المتعثرة مراجعة أوراقها والبحث عن مخارج حقيقية وناجعة لأزماتها ومشكلاتها، وأن تتبع كل الطرق لتوحيد الجهود والربط بين القدرة المعرفية والإنتاجية للفرد مع الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة على المديين المنظور والبعيد، وهو ما يحتاج إلى قرارات شجاعة ومدروسة -غير متسرعة- قادرة على إحداث تغيير ملموس ينقل المؤسسة من مرحلة التعثر والخسارات إلى مرحلة التطور والربح، ولضمان نجاح هذه الاستراتيجية لا بد من توافق وتكامل جميع الخطط الموضوعة لكي تؤدي مجتمعة ومتضافرة إلى تحقيق الهدف العام لسياسة عمل المؤسسة.
وبإيجاز أكثر فإن الاستراتيجية العليا هي سياسية عامة، أما الاستراتيجيات الأخرى المتعلقة بالعمل الإداري والفني وتنفيذ الخطط والبرامج فهي فن الممكن وفن القيادة، وهو ما نتمنى أن يتحقق في عملنا المؤسساتي لتكون النتائج بمستوى الآمال المعقودة.
معن الغادري