مصور محترف لتحقيق حلم النجومية!
“الموهبة شو بدا فكرك؟ كاميرا مان بروفيشنال ومخرج ……”! العبارة السابقة جاءت في حوار بين فتاتين تجلسان في بار، وذلك في مسلسل “سحابة صيف”، -إيمان السعيد-مروان بركات-؛ الشابة التي تحلم بأن تصبح مغنية مشهورة، لا ترى في عدم امتلاكها الموهبة، أي مانع حقيقي لتحقيق ما ترغب به، وهي واثقة من الموضوع كل الثقة، رغم استهجان وتنبيه صديقتها لها بأنها لن تستطيع أن تحقق حلمها لعدم امتلاكها موهبة الغناء، فيجيء جوابها الآنف الذكر، كرد حاسم على كلام صديقتها، وعن قناعة لا ترتجف أو تتردد للحظة، بصوابية ما تقول!
إنها تُدرك تماما ما آلت إليه الحال في الفنون عموما، وخصوصا في فن الغناء، بعد أن شاهدت اللواتي لا يملكن أدنى أساس حقيقي في هذا الفن، كيف صرن نجمات لا يُشق لهن غبار، تحتفي بهن الشاشات ببهرجة مزركشة، تغطي على كل عيب، حتى لو كان الصوت الجميل، مقود الغناء، ليس له أي وجود عندهن، وما يقمن بتقديمه بأجسادهن لا بأصواتهن، لا يمت للغناء بصلة، فهذا آخر ما يشغل بال جمهور “البصيصة” لا “السميعة” إلا ما رحم ربي في هذا الزمان. لكن من أين جاءت تلك القناعة الراسخة لتلك الفتاة الحسناء؟.
يمكن أن نورد التعريف التالي للغناء قبل الجواب على السؤال السابق، فالغناء وحسب معجم المعاني هو: التطريبُ والترنُّمُ بالكلام الموزون وغيره، ويكون مصحوبا بالموسيقى أو غير مصحوب بها، وهو مصدر من الفعل غنّى، ومن تعريف الغناء أيضا: أنه إصدار لصوت يدمج بين ثلاثة عناصر أساسية معا وهي: الصوت والموسيقا والكلمة، ونلاحظ في التعريفين السابقين الغياب التام لكلمة “صورة”، وهذا ما كان عليه حال هذا الفن في أيام عزه، لقد استمع الناس للعديد من الأصوات البديعة من خلال الراديو أو شريط الكاسيت، وحفظوا تلك الأغاني البديعة عن ظهر قلب، بأصوات من يُغنيها فقط، دون أن يشاهدوا صورة المغني أو المغنية، وحتى إن حدث وشاهدوها، فهي لن تكون ذات أي تأثير على الذوق الشخصي والعام الذي كان سائدا، ومن لا تثبت موهبته الغنائية من خلال صوته في وجدان الجمهور، سوف يكون نسيا منسيا، ولن يكون له أي شأن يُذكر بين الجمهور، فهو من يعطي حكم القيمة في شأن جسيم كهذا، وحدث أن بقي العديد من تلك الأصوات، هي المهيمنة وبقوة على ميدان هذا الفن، وحتى في يومنا هذا، إذ يكفي فقط أن يُذكر اسم “فيروز” مثلا، حتى تبدأ الذاكرة الجمعية، بسرد معظم ما غنته واستمع إليه من استمع، الأمر ذاته ينسحب على “أم كلثوم، أسمهان، ميادة الحناوي”، وغيرهن.
إلا أن الحال تغير، والقنوات الفضائية التي تحتاج بشدة، لأن تملأ ساعات بثها بما يشد الجمهور ويجذبه، اعتمدت على ما يجذب عينه لا أذنه، وكيف يمكن شدّ جمهور اليوم، هل بالصوت؟ في الحقيقة هذا شبه غائب عن خاطر عموم تلك القنوات ومن يديرها، خصوصا وأن مفهوم الـ “rating”، إعلاميا أو “حجم الجمهور المشاهد”، هو ما تنشده تلك القنوات، وعوض أن تكون الذائقة العامة وأصالتها، هي المأخوذة في الحسبان لشأن خطير كهذا الشأن، تم فرض نوعية هذه الذائقة وشكلها وكيفيتها على الجمهور، بحجة لا منطق يدعمها إلا المنطق المضاد لها، والذي يمكن اختصاره بـالعبارة الشهيرة: “الجمهور عاوز كده”، أو “هذا ما يطلبه الجمهور”!
تلك الفتاة الحالمة بالشهرة، تعرف هذا جيدا، لقد خبرته وشاهدت بأم عينها كيف تصبح الأكتاف العارية، هي من يغني اليوم بالنسبة للفنانات عموما، وهي من تفوز بالشهرة والنجومية، ولهذا هي واثقة مما قالته لصديقتها بشأن حلمها، وما تحتاجه فقط كما ورد على لسانها “كاميرا مان برفوشينال”، ومخرج “……….”!
تمّام علي بركات