الكمان بين الشرق والغرب
“الكمان بين التكنيك الغربي والإحساس الشرقي” العنوان الذي اختاره الباحث وضاح رجب باشا لأمسية موسيقا الزمن الجميل في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- ولمس من خلالها الحاضرون شفافية ورقة ألحان الكمان في الموسيقا الشرقية من خلال التحليل والعزف المباشر، فامتد تأثيرها المباشر عليهم وهيمن اللحن الرومانسي على مدى ساعتين.
استهل الباحث باشا الأمسية بالحديث عن الكمان الآلة الأساسية في الموسيقا الشرقية والغربية، فلا تكاد تخلو أية فرقة من ثمانية عازفين للكمان، وتضم الأوركسترات الغربية ما يقارب خمسة وأربعين عازفاً للكمانات بين خط أول وخط ثان، في حين يبلغ عددها في أوركسترات الهارموني مئة وثلاثين كماناً موزعة وفق التوزيع الهارموني وتعدد الأصوات. لكن الشرقيين طوّعوا هذه الآلة في الموسيقا الشرقية ووظّفوها بشكل مختلف عن الموسيقا الغربية.
ومن عائلة الكمان الفيولا وهي أكبر حجماً منه، ثم يأتي التشيللو الأكبر حجماً ويعزف عليه بشكل عامودي، أما الكونترباص فهو أكبر آلات العائلة، ويعزف عليه بالقوس والأصابع، ويأخذ النمط الإيقاعي ويمثل قاعدة الفرقة.
الكمان والربابة
واستحضر المحاضر تاريخ الكمان الذي ظهر بعد الربابة المؤلفة من وتر واحد والتي لا تمتلك التقنيات الموجودة بالكمان، فتطور بعدد الأوتار الأربعة وتزامن ظهوره مع عصر النهضة الأوروبية.
وعلى يد مجموعة من العازفين على رأسهم سامي الشوا شرقنوا آلة الكمان بإضافته إلى التخت الشرقي مع اختلاف المقامات بين السلم الغربي الذي يقوم على مقامين المينور والماجور، والسلم الشرقي القائم على أربعة وتسعين مقاماً، والاختلاف أيضاً بدور الكمان الذي اتصف بالتعبير عن الأحاسيس الشفافة ضمن آلات الموسيقا الشرقية ووصل إلى مرحلة الطربية، بينما وظّفه الأوروبيون بالتكنيك والإبهار الموسيقي بتقنيات العزف وسرعة حركة أصابع العازف كما استخدموا الإبهار بالعزف على البيانو والغيتار والترومبيت وغيرها.
وأشار باشا إلى مستوى التكنيك العالي جداً الذي وصل إليه العازفون الأوروبيون والمهارة باستخدام القوس بعد تدريب كبير لأن حجم زند الكمان صغير، وأي خطأ يؤدي إلى النشاز، وربط بين شرحه عن التكنيك بالصورة بعرض فيديوهات عدة تظهر الإبهار بالعزف والإضافات التي يضيفها العازفون المتمكنون، من أجملها فيديو مقطوعة “تشاردلس” للمؤلف الموسيقي الإيطالي مونتي، وأوضح بأن المقطوعة على إيقاع الفالت السريع والسريع جداً، كما عرض فيديو للإبهار بعزف الكمان الموسيقا الهادئة.
الكمان والناي
وانتقل باشا إلى تطويع آلة الكمان بالموسيقا الشرقية وتفوقها على العود والقانون بالقوس بترجمة الأحاسيس الشفافة بأوتارها الرقيقة، ليضاهيها الناي فقط، وشرح من خلال عرض لقاء للعازف الدمشقي عبود عبد العال الذي اشتهر في السبعينيات بالعزف على الكمان، يعزف من خلاله لحن أغنية محمد عبد الوهاب “جفنه علم الغزل”، وتحدث عن إحساسه بالكمان أثناء العزف المنفرد وتحكمه بالتناغم والتواصل مع المغني والفرقة، ثم توقف الباحث باشا عند فيديو عزف عبد العال صولو الكمان مع الفرقة وغناء صباح”شفته بالقناطر” ليبيّن بأن عبد العال لم تكن مهارته فقط بالعزف إذ امتلك مهارة التوزيع الموسيقي أيضاً.
وتابع بتحليل تجربة جهاد عقل من لبنان بعرض فيديو عزفه مقطوعة شيزار بتقنية التكنيك الغربي وإكسابه الروح الشرقية، ومنذر شيخ الكار من حلب وعزفه الشفاف لرائعة عبد الحليم بحلم بيك. كما عرض فيديو لرائعة أم كلثوم “أنت عمري” ألحان عبد الوهاب، ليتوقف عند صولو الكمان للعازف الشهير في فرقتها أحمد الحفناوي.
الفصل الأخير بالأمسية كان بالعزف المباشر على الكمانات والتواصل مع الحاضرين بأداء مجموعة طالبات من طلاب الباحث باشا في معهد الشبيبة بالعزف الجماعي بمرافقته بالعزف بصوت واحد لبعض المقطوعات منها، مقطوعة “عازف الليل” تأليف إلياس الرحباني والتي عزفها كثيرون على الكمان، ثم عزفوا مقطوعة موسيقا “العرّاب” التي وصفها الباحث بالمقطوعة الصعبة، وتحدث عن صعوبات العزف على الكمان لتقارب الدرجات الموسيقية على الزند بين دو – ره.
واختُتمت الأمسية بمشاركة الحاضرين العازفين بغناء موطني على نغمات العزف. وتخللها عرض فيلم توثيقي عن صناعة أجزاء الكمان اليدوية من أخشاب متنوعة منها خشب الجوز والأبنوس، وكيفية تثبيت المفاتيح والأوتار وزند الكمان، ونوّه الباحث باشا إلى آلات الكمان المستوردة المصنعة بالمعامل، والتي تختلف أسعارها وفق جودتها، ويصل بعضها إلى عشرة ملايين.
ويزداد سعرها في حال توقيع أحد قادة الأوركسترا العالميين أو توقيع أحد العازفين الشهيرين عليها.
ملده شويكاني