ثقافةصحيفة البعث

تطور الخربشة عند الأطفال

 

منذ الأيام الأولى لولادة الطفل نلمس رغبة مبهمة للتعبير عن نفسه من خلال حركات عينيه, صوت أنفاسه وحركات يديه وغيرها, لتكبر تلك الرغبة يوما بعد يوم إلى أن يبلغ سن السنتين والتي تسمى (مرحلة ما قبل التخطيط) وما علينا كأهل سوى توفير أية خامات أو أدوات تحقق له رغبته تلك من ورق, طباشير وخلافهما من مواد متنوعة شريطة ألا تسبب للطفل أية أذية خلال استخدامه لتلك المواد.
مرحلة التخطيط تمتد من عمر السنتين وحتى الرابعة وتقسم إلى أربع مراحل, تبدأ بالتخطيط غير المنتظم والذي يتجلى ببعض التخطيطات التي تأخذ أشكالا غير منظمة لا تعدو كونها انعكاسات لبعض الإحساسات العضلية وغالبا ما يكون النتاج عن طريق الصدفة, وفي مرحلة لاحقة يتحول التخطيط غير المنظم إلى تخطيط منظم بشكل أفقي أو عمودي أو قد يكون في بعض الحالات مائلا مما يعتبر تطورا هاما يطرأ على الطفل حيث يبدأ بإدراك العلاقة بين حركات يديه وآثارها التي تظهر بشكل أو بآخر على السطوح التي يستخدمها.
ما إن يقترب الطفل من سن الثالثة حتى ينتقل إلى التخطيطات الدائرية لتبدو خطوطه المنحنية على شكل أقواس ودوائر غير مكتملة, ثم تكتمل لتدلنا على القدرة التي أصبح الطفل يمتلكها للتحكم بعضلات معصمه وذراعيه, وفي سن الرابعة يتحول هذا التحكم بعضلاته وأعصابه إلى التمكن من استخدام خياله وتفكيره وإسقاط قدراته تلك على رسم رموز متعددة ولها أسماء يستقيها من محيطه, فها هو يرسم خطا ودائرة ويقول: هذه أمي أو هذا أبي وأحيانا قد يستخدم الألوان ليميز بين رمز وآخر، فهذا الخط الأزرق أنا وهذا الخط الأحمر أخي. في مرحلة التخطيط هذه ما علينا كآباء وأمهات سوى تأمين الأدوات الفنية للطفل وترك الحرية المطلقة له للتعبير عن الوسط المحيط به.
علينا أن نعلم ككبار أن النشاط الخطي واللوني للأطفال في هذه المرحلة (الخربشة) هو وسيلة للتعبير عن حالاتهم النفسية وأحاسيسهم الآنية ونستطيع من خلال دراسة متأنية لرسوماتهم أن نتعرف على عواطفهم الأكثر أصالة ودوافعهم العميقة من خلال مراقبتهم عن بعد, وعدم التدخل المباشر, مما يجعل رسوماتهم دليلا يكشف بعضا من مظاهر تجربتهم نتيجة احتكاكهم بالعالم من حولهم وللأسرة الدور الأكثر أهمية في تنمية شخصية الطفل وإثرائها أو إفقارها, ففي البيئة التي يعيش فيها الأطفال مع الكبار الذين يقدمون بشكل أو بآخر كمية كبيرة من المحرضات تتجلى بالمواقف والحركات والمفردات، إضافة إلى الحالات النفسية المختلفة التي يتلقفها الطفل ويتأثر بها فنراه يقلد كل ما يراه، ويستوعب كل ما يجري داخل محيطه ويظهره لاحقا في تعبيراته لتأتي رسوماته مليئة بالرسائل وكل ما علينا فعله نحن الكبار هو أن نتلقى تلك الرسائل وأن نحاول فك شفرتها وأن نتعرف على أطفالنا أكثر فأكثر.
هيام سلمان