مراكز للمثقفين
جلال نديم صالح
نسمع دوماً عن مقاطعة الجمهور للمراكز الثقافية إلا ما ندر، وهي شكوى دائمة لا تنتهي يعيد البعض أسبابها إلى اعتبارات مختلفة منها موقع المركز والبعد عن وسط المدينة وسهولة المواصلات أو صعوبتها وكلها عوامل قد يكون لها تأثيرها المباشر، من هنا تحاول بعض المراكز تقييم وقياس مدى نجاح برامجها وما تتضمنه من نشاطات بمدى الحضور بغض النظر من أين جاؤوا، وإلى الآن تبدو الأمور منطقية لكنها لا تعتبر كذلك عندما نعلم أن بعض مدراء المراكز يرجعون سبب القطيعة بين الجمهور والمراكز إلى عدم وجود مثقفين أو مهتمين بالثقافة في المكان الذي يقع فيه المركز وهذا يأخذنا باتجاه آخر ويجعلنا نتساءل ترى ما الهدف من إقامة المراكز الثقافية، وهل المستهدف من ذلك هو شريحة المثقفين؟ لهذه المشكلة أبعاد كثيرة يتجلى أهمها في طبيعة الخطاب لهذه المراكز فمجرد الاقتناع أن الشريحة المثقفة هي المعنية فقط سينعكس ذلك آلياً على البرامج وطبيعة النشاطات من حيث المستوى والتخصص وهو تصور يقصي شرائح أخرى مهمة من المجتمع ويسقطها من الاعتبار ومن المفترض منطقياً أن المهمة الأساسية لأي مركز هي العمل على استقطاب من حوله بالدرجة الأولى ولو كان الأمر غير ذلك لاكتفينا بمركز ثقافي واحد في كل مدينة، أو بمراكز قليلة ووفرنا العناء والتكاليف المادية، وبرأيي على المركز الثقافي في أي مكان قبل أن يستقطب المثقف أن يسعى لاستقطاب سيدة المنزل والطفل والشاب والمتقدم في السن وأن يخاطب هؤلاء بما يراعي اهتماماتهم وميولهم لأن من مهامه الأساسية التي أقيم أصلاً من أجلها النهوض بالثقافة العامة عبر النشاطات التي تراعي خصوصية المكان وطبيعة قاطنيه ومستواهم الثقافي والاجتماعي، ومخاطبتهم على هذا الأساس للنهوض تدريجياً بالثقافة التي يمتلكونها مهما كانت متواضعة والاستفادة من أصحاب الثقافة والفكر ليكونوا رافعة لثقافة المجتمع مهما كانت بسيطة عبر المحاضرات والندوات، وهذا لا يعني أن تختفي النشاطات الموجهة للمثقفين المتخصصين من هنا من الخطأ أن نضع برنامجا موحدا وجاهزا ونفرضه على أي مركز، لأن مديره هو الأقدر على تقدير احتياجات المحيط نظراً لاحتكاكه المباشر بمن حوله مع ضرورة أن تكون هناك محافظة على السوية وعدم تدني مستوى ما يقدم، وإذا أخذنا بعين الاعتبار كل ذلك يصبح النجاح الحقيقي لأي مركز هو مدى قدرته على جذب المحيط والتأثير فيه بالدرجة الأولى ولاحقاً قدرته على جذب الجمهور بغض النظر عن بعد المسافات أو قربها.