يعود إلى الواجهة سوق العقارات.. قفزات كبيرة في الأسعار دون إضافات على الخدمات والحلول خارج دائرة التنفيذ
موجة جديدة من الغلاء اجتاحت سوق العقارات، ليشكّل الحصول على منزل للإيجار بسعر يناسب الدخل الخجول أقصى طموح للمواطن، وسط غياب آلية قانونية جدية تردع حالة العشوائية التي يشهدها سوق العقارات، فعلى الرغم من المناشدات التي كثرت في السنوات الأخيرة لضبط سوق العقارات، وقيام العديد من الباحثين القانونيين باقتراح حلول لإيواء الكثير من العائلات في منازل بأسعار معقولة، إلا أن أحداً لم يتبن هذه الحلول، ليبقى سوق العقارات في حالة من الصعود الدائم دون أدنى رادع حقيقي؟!.
مبررات
في جولة قصيرة على سوق العقارات في دمشق وضواحيها، يشعر المواطن أنه يتجول في بلد أجنبي يحصل فيه المواطن على راتبه بالقطع الأجنبي، حيث فاقت أسعار المنازل التصور، ناهيك عن أن أجرة أية شقة في المناطق المنظّمة تجاوزت مئة ألف، في المقابل وصلت في مناطق العشوائيات إلى 150 ألفاً، متذرعين بقربها من مركز المدينة، لتتجاوز أجرة المنزل ثلاثة أضعاف راتب الموظف، حيث وصلت إيجارات المنازل في ريف دمشق الجنوبي، تحديداً: “جديدة عرطوز، قطنا، صحنايا” إلى 100 ألف للمنزل دون أثاث، في حين وصلت في تلك المناطق إلى 200 ألف للشقق المفروشة، في المقابل وصل إيجار شقة سكنية في منطقة “أبو رمانة” بين 80 و 100 متر إلى حوالي 500 ألف ليرة سورية، وهناك شقق في منطقة المالكي يصل إيجارها الشهري إلى حوالي مليون ليرة سورية، مع غياب كامل لأعين المحافظة، والجهات صاحبة القرار عن هذه الأرقام، ويجد أصحاب العقارات أن هذه الأسعار طبيعية في ظل ظروف غير طبيعية نعيشها مع انتهاء الأزمة، وأن سوق العقارات لا يختلف عن أسواق مثل: الصاغة، والألبسة التي هي الأخرى حلّقت.
غياب القانون
يجمع الكثير من الاقتصاديين على أن ارتفاع سعر مواد البناء، وسعر اليد العاملة أدى إلى ارتفاع سوق العقارات، إضافة إلى وجود حالة من الجمود في حركة البيع والشراء طالت العقارات، ليقتصر الحال على الإيجارات، ولتصبح جميع الطرق المؤدية لامتلاك المسكن مغلقة، ولا قدرة لأحد على التنبؤ بعودة الحركة للسوق، فالطلب المحدود اليوم يقتصر على الإيجارات في المناطق المأهولة، ويرى الكثيرون ضرورة إيجاد حلول وأنظمة لضبط العلاقة بين المستأجر والمؤجر، خاصة تنظيم عمل المكاتب العقارية لحفظ حقوق المؤجر والمستأجر، وإذا كان من غير المستطاع إصدار قوانين استثنائية فلابد من إصدار قرارات استثنائية تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، إذ يلجأ أصحاب العقارات إلى تخفيض مدة الإيجار كي يضمن رفع الإيجار على المستأجر كل فترة، وأمام حاجة المواطن للإيجار، بدأ أصحاب العقارات والمكاتب العقارية بزيادة الضغط على المستأجرين من خلال تحميلهم كلفة تسجيل العقود في الدوائر الحكومية المعنية، وكذلك التلاعب بحقيقة الأسعار المعلن عنها في العقد، لتغدو عملية تأجير المنازل من أكثر المهن المربحة في وقتنا الحالي لعدم ثباتها عند تسعيرة معينة ، إذ باتت الفروقات في الإيجار بين العقارات النظامية والمخالفات بسيطة، كذلك الأمر في أسعار البيوت الجديدة أو القديمة.
قصور وضعف
عقارات كثيرة كانت قبل الأزمة على الهيكل، ومازالت قيد الانتظار حتى اليوم في ظل غياب واضح لاتخاذ أي إجراء جدي لإكسائها، أو اتخاذ قرارات ميسرة لأصحابها للبدء بإكساء هذه العقارات، إذ يجد محمد كوسا، “خبير اقتصادي”، أن الطلب الزائد على العقارات يأتي نتيجة نزوح الكثير من العائلات إلى المناطق الآمنة والمأهولة، إضافة لوجود عقارات كثيرة على الهيكل وغير مبنية لعدم قدرة أصحابها على الإكساء، أو وجودها في العشوائيات، بحيث لا يتم إكساؤها خفية عن البلديات، كذلك يشكّل ارتفاع أسعار الأراضي، خاصة في ظل أنظمة وإجراءات لا تسمح حالياً بتوزيع أراض جديدة، عائقاً كبيراً في سوق العقارات، ناهيك عن قيام أصحاب رؤوس الأموال بالحصول على أموال مجهولة المصدر، ومن ثم شراء عقارات وتجميدها ليقوموا بتبييض أموالهم فيما بعد، واتهم كوسا قانون العقارات بالقصور والضعف، وعدم مراعاته التطور الزمني، والاحتياج الحقيقي في سوق العقارات، فهناك عدد كبير من مالكي العقارات لديهم عقارات كثيرة، ولا يتخلون عنها حفاظاً على رؤوس أموالهم، خاصة في ظل ارتفاع أسعار العقارات المتلاحق، وهي تحقق لهم أرباحاً طائلة دون أدنى جهد، لذا نجد الكثير من العقارات مغلقة، وتعتبر خارج سوق العقارات، وقدّر كوسا نسبة النمو العمراني العام الماضي بـ 20-30% حسب المناطق.
حلول جذرية
وبالرغم من طرح القروض السكنية مؤخراً من قبل بعض المصارف، إلا أن طرح قروض سكنية يصعب تطبيقه واقعياً، وذلك بسبب الشروط التعجيزية المفروضة، فالضمانات المطلوبة كإثبات دخل المقترض، وأن يكون دخله الشهري ثلاثة أضعاف قيمة القسط، أمر مستحيل بالنسبة للمواطن، ويؤكد كوسا أن سوق العقارات يمر بفترة ركود، خاصة في العامين الأخيرين، لذا لابد من خروج قانون تنظيم للعقارات يضمن تحريك واستثمار العقارات التي على الهيكل، على أن يلحظ هذا القانون فرض ضرائب على العقارات لإجبار أصحابها على استثمارها، أو التخلي عنها، وهذا يحقق عائداً للخزينة، إضافة لخلق أدوات التطوير العقاري، وتفعيل الأدوات الموجودة مثل “هيئة التطوير العقاري، وهيئة التمويل العقاري”، كذلك تشجيع إنشاء قرى زراعية نموذجية بما يتناسب مع الطبيعة الجغرافية لكل منطقة، بحيث يمكن توفير المواد الأولية من المتوفر من جغرافية المنطقة، وهذا يتم بمساهمة من نقابة المهندسين الزراعيين، ناهيك عن ضرورة تخديم الريف الذي يعتبر لاعباً رئيسياً، والاهتمام به من جانب الخدمات، وتطوير دور إدارات الحكومة في الريف للحد من الهجرة إلى المدينة، وإعادة تأهيل المناطق المحررة، والإسراع في عودة الأهالي للسكن فيها من جديد، وهذا يعتبر عاملاً رئيسياً في تخفيف الضغط على أزمة الإيجارات، مشيراً إلى أن أسعار العقارات لن تنخفض، ففي ظل وجود عجز في الموازنة الحالية، من الطبيعي ارتفاع سعر العقارات وليس انخفاضها، إلا في حال استقطاب استثمارات عقارية خارجية، فتجار العقارات هم فقط من يتحكمون بسوق العقارات.
سوق الكتروني
تتصدر قضايا الإيجارات الدعاوى المنظور بها في محكمة الصلح، حيث تراوحت نسبة الزيادة السنوية للعقارات السكنية خلال الأزمة بين 100- 300% للعقارات السكنية، والمحلات التجارية، دون مراعاة أخلاقية لظروف ومعاناة الأسر، ويؤكد المحامي وسام جنيد أن ارتفاع الإيجارات السكنية سيستمر إلا في حال تدخلت الدولة بإصدار قرارات استثنائية خلال الأزمة تحدد نسبة الزيادة السنوية في أسعار العقارات التي تشهد حالة من الفوضى والعشوائية، فأغلب الدعاوى اليوم هي دعاوى إيجارات، ودعاوى تخمين أو إنهاء العلاقة الإيجارية أو طلبات الإخلاء، لذا لابد من التدخل سريعاً في سوق العقارات، ومحاربة الظواهر الفاسدة والابتزاز في مجال الإيجارات والإخلاءات، مشيراً إلى ظاهرة سوق العقارات الالكتروني الذي يبتعد في كثير من الأحيان عن المصداقية لعدم وجود قوانين ضابطة له، وإمكانية التلاعب والنصب على المواطنين من خلال صفحات الفيس المروّجة لبيع شقق سكنية بعروض قد تكون وهمية في أغلب الأحيان، في المقابل يجد أصحاب الجمعيات أن الإعلان عن عروضهم السكنية من خلال صفحات التواصل الاجتماعي أفضل وأسرع وأقرب إلى المواطنين، ولكن يفضّل تنظيم السوق العقاري الالكتروني، ومنح تراخيص لتلك الصفحات لضمان قانونية أعمالها، وتحصيل الرسوم والضرائب بشكل يضمن حقوق الدولة من تلك العمليات.
ميس بركات